العدد 452 - الإثنين 01 ديسمبر 2003م الموافق 06 شوال 1424هـ

أكاذيب «ديمقراطية»

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

حتى الآن لاتزال الإدارة الأميركية تردد يوميا على انها جاءت الى العراق ليس بهدف احتلاله والسيطرة على نفطه وثرواته بل من اجل تحقيق مهمة نبيلة وهي «نشر الديمقراطية» وتحويل العراق الى «نموذج» يحتذى في «الشرق الاوسط».

كل يوم تقريبا تخترع الإدارة الاميركية خدعة جديدة لتبرير قيامها بالحرب واحتلال العراق، ثم تكذب مجددا لتغطية نفقات وجودها العسكري وتمديد فترة بقاء جيوشها في بلاد الرافدين.

وحتى تكتمل صورة الخداع تصر إدارة جورج بوش على توزيع الوعود ونشر الاوهام بهدف صرف الانتباه عن الحقيقة المرة التي يعيشها الشعب العراقي. فالكلام شيء والواقع اليومي مسألة مختلفة. وتزيين الاحتلال بالاهداف النبيلة والشريفة لا صلة له بمرارة الايام التي تمر على الشعب العراقي ساعة بعد ساعة.

حتى الآن مرت قرابة عشرة أشهر على الحرب ولم تفلح إدارة الاحتلال في إعادة الكهرباء او تحسين شبكة المياه او الصرف الصحي. كذلك لاتزال المستشفيات تعاني من نقص بالأدوية والامصال. اما الامن فإنه من اسوأ ما يكون فالعائلات تخاف الخروج من منازلها حين تغرب الشمس، والحواجز الامنية تقطع سبل الاتصال والمواصلات، والمداهمات الليلية والصباحية تتواصل من دون حرمة للناس او احترام تقاليدهم وخصوصياتهم. والامر نفسه يمكن سحبه على المدارس والجامعات ومعاهد التربية والتعليم. كذلك يمكن قراءة الحديث نفسه عن المستشفيات والمراكز الصحية والطبابة والقضاء والمحاكم. واخيرا بدأت اجهزة أمن الاحتلال تثير الشبهات حول الصحف والمجلات ومصادر المعلومات ومحطات الإعلام الفضائية العربية والاجنبية.

حتى مسألة «نشر الديمقراطية» بدأت تهتز واخذت قوات الاحتلال، مستخدمة «الشرطة العراقية»، باقتحام المؤسسات الصحافية والاعلامية ومصادرة الصور والاشرطة وتمنع نقل الحقائق وتوزيع المعلومات وفرض رقابة مسبقة على «الحرية» و«الآراء المستقلة».

مرت عشرة اشهر على الحرب وحتى الآن لم تعد المؤسسات الى مباشرة أعمالها. فالانهيار العام مخيف في انتشاره وعمقه فهو يطاول كل هيئات العمل والمصانع والدوائر والبطالة متفشية الى درجة لا يمكن وصفها والنقص في المواد الغذائية والحاجات الضرورية والحياتية ينذر بحصول كارثة تذكر بتلك المجاعات التي حصدت الآلاف في اثيوبيا وكينيا والصومال. فأعداد العاطلين عن العمل في ارتفاع كذلك اعداد الباحثين عن عمل. والبطالة لم تعد تقتصر على قطاعات الجيش السابق واجهزة الامن بل انها تمتد وتمتد لتطاول مختلف القطاعات الانتاجية ومصادر الرزق. وعدت قوات الاحتلال بالكثير وحتى الآن لم تحقق القليل حتى ذاك الذي توافر ايام الاستبداد والحصار الدولي على العراق. فالاجور مثلا لم ترتفع فالحد الادنى لايزال بحدود 60 دولارا في الشهر بينما ارتفعت اسعار السلع ثلاثة اضعاف وانتشر الغلاء الى حدود لم تعد الغالبية العظمى من الشعب العراقي قادرة على الشراء او الاستهلاك وسد الحد الادنى من حاجاتها الضرورية. فانعدام الرقابة على الاستيراد وانفتاح السوق عشوائيا ضرب الاسواق بفوضى تسيطر عليها زمرة من العصابات (مافيات) تتحكم بالاسعار وتجعل الانسان العراقي عرضة للنهب والابتزاز.

مع ذلك تصر الادارة الاميركية يوميا على نشر الاكاذيب والقول بأنها حققت خطوات عظيمة في مجالات الحرية والديمقراطية في وقت تنقل الانباء الاخبار الشحيحة عن «عقاب جماعي» ومجازر يومية ترتكبها جيوش الاحتلال في المدن والقرى والاحياء آخرها كانت تلك المذبحة التي نفذت في مدينة سامراء ردا على عمليات اخيرة قامت بها المقاومة العراقية.

قتل المدنيين والمقابر الجماعية ليست جديدة على الشعب العراقي الا ان هذه السياسة العدوانية ترتكب الآن باسم «الحرية» و«الديمقراطية» بعد ان كانت السلوك العادي لدولة اتسمت بالعشائرية والعائلية ومارست الظلم والاستبداد لحماية تسلطها على الحكم وثروة العراق. الجديد على العراقيين هو استبدال العائلة (المستبدة) بالمافيات واستبعاد العشيرة بالشركات والسماسرة والوسطاء وغيرهم من شخصيات استقدمت من الخارج ودخلت بغداد على ظهر الدبابات الاميركية.

مع ذلك تواصل الادارة الاميركية نشر الاكاذيب «الديمقراطية» والادعاء ان احتلالها يريد تحويل العراق الى أنموذج يحتذى في «الشرق الأوسط».

اسئلة كثيرة الا ان الجواب الصحيح هو ان الادارة الاميركية لن تستطيع الاستمرار في نشر كذبتها عن «الديمقراطية» و«الحرية». ومجزرة سامراء ليست الشاهد الوحيد. تبا لك يا بوش

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 452 - الإثنين 01 ديسمبر 2003م الموافق 06 شوال 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً