فرحت كما فرح الكثيرون بتدخل جلالة الملك وإيقاف الدعوى ضد جمعية الوفاق بتهمة مخالفة القانون وعرضها مسرحية غير مرخص لها. ومن الطبيعي أن تتعدد وجهات نظر المراقبين والناس وأصحاب القضية عن الموضوع وتداعياته.
فريق من «الوفاق» سينظر إلى الموضوع من وجهة نظر تختلف عن غيره وسيعتبر إيقاف الدعوى «دليلا قاطعا» على قوة «الوفاق» التي لا يستطيع أحد مساءلة أعضائها بينما يمكن مساءلة رئيس جمعية المهندسين وغيرها من مختلف الاصناف. وعلى أساس هذا الفهم فإن موقف هذا الفريق ربما يزداد تشددا. فهذه النظرة ستجد من يطورها إلى رؤى عكسية عن طريق التعامل مع الحكومة ومع أية جهة أخرى، وبالتالي فإن الدروس المستوحاة مما حدث لن يكون لها نصيب من العبرة والتمعن.
فريق آخر سيشترك مع وجهات نظر أخرى تقول ان آخر ما يمكن ان تقدم عليه الحكومة هذه الأيام هو مواجهة «الشارع الشيعي» أو استثارته. وجمعية الوفاق تمثل هذا الشارع الكبير في عدده، وبالتالي فإن التعرض للوفاق لا يخص جمعية وانما سيفهم انه تعرض للشارع الذي تحرك خلال فترة التسعينات والذي ساهمت تضحياته في تحريك الأجواء ايجابيا خلال السنتين الماضيتين.
وقد كانت الهيئات العليا في الدولة تأمل في استكمال المصالحة الوطنية عبر مشاركة الوفاق (الشارع الشيعي) في الحياة النيابية، ولكن قرار المعارضة كان مؤثرا بشكل سلبي على الجهود التي بذلت لتحريك الحياة السياسية بطريقة تجمع الشارعين الشيعي والسني في المسيرة الجديدة.
الشارع «الشيعي» له صفات تختلف عن غيره، فأكثرية الشارع من الشباب الذين فقدوا أملا في الحصول على فرص مناسبة في مجالات الحياة المختلفة لاسباب عدة من بينها التمييز، والعاطلون (ما بين 20 و30 الف مواطن) غالبيتهم، ان لم يكن جميعهم، من هذا الشارع. وبالتالي فإن المواجهة مع وزارة الاعلام ومع القضاء والمحاكمات ستكون فرصة «ذهبية» للتنفيس عن الاحتقان الذي لم يتم التخلص منه بصورة كاملة بسبب تعقيدات عدة.
هذا الشارع أيضا ثبت انه اذا تحرك فإنه يشوش على الحياة الاقتصادية في الوقت الذي ليس لدى كثير من شبابه ما يخسره. وما حدث قبل فترة عندما تحرك لمدة ليلتين لمنع أمسية «نانسي عجرم» مازال ماثلا للجميع. فعلى رغم ان الذين دعوا إلى منع الأمسية رموز الشارع السني - السلفي، فإن الشارع الشيعي هو الذي استجاب وتحرك ولم يهدأ بسهولة.
ولذلك فإن الخبر الذي نشر قبل عدة ايام عن عزم وزير الاعلام التقدم بشكوى وبالتالي قيام النيابة العامة بالتحقيق مع مسئولي الوفاق شكل حرجا، ولاسيما للفعاليات الاقتصادية. فيوم الاستدعاء هو يوم دعوة الشارع الشيعي ايضا إلى التوجه إلى المنطقة الدبلوماسية، ولن يكون هناك اي مجال للتفاهم سوى استخدام سلطة الأمن لتمرير حكم القانون حتى مع اختلاف البحرينيين بشأن القانون وعدم انصافه واتساقه مع الاصلاحات، إذ إن القانون مازال قانونا وعدم انفاذه سيكون دليلا على عجز الدولة. ولذلك ستضطر الدولة إلى الاستعانة بالأمن ولكن هذه الاستعانة ستكون لها سلبياتها وخصوصا ان البحرين تستعد للنهوض باقتصادها الذي يحتاج إلى كثير من الاطمئنان وليس للمظاهرات والمناوشات.
لذلك فإن تدخل جلالة الملك في محله، ولكن المشكلة هي ان جذور ما حصل مازالت باقية والقوانين المكبلة للحريات مستمرة إلى أمد غير محدود وخصوصا بعد اتضاح البطء الشديد و«المحبط للهمم» الذي تتسم به العملية البرلمانية والتي من الممكن ان تنام على قانون واحد شهورا وسنوات من دون الاكتراث بما هو مهم للحريات العامة ولا يمكن تأخيره. بل ان الأمور المهمة لدى اعضاء البرلمان مازالت القضايا الثانوية التي لا تلامس الواقع البحريني في جوهره.
كل أملنا ان تتحرك البحرين نحو مرحلة أخرى من الاصلاحات ليتم استكمال النواقص التي أدت إلى عرقلة المسيرة، والقيادة العليا التي قامت بكثير من الخطوات التي لم يتوقعها احد خلال السنوات الماضية من الممكن ان تحرك المياه عبر مبادرات جديدة، وهو ما نأمل حدوثه قبل نهاية الدورة الحالية للبرلمان
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 452 - الإثنين 01 ديسمبر 2003م الموافق 06 شوال 1424هـ