من أراد أن يلعب في الملاعب السياسية يجب ألا يكون سطحيا فيتعاطى في السياسة بقراءة المظاهر الشكلية وبطيبة أن النيات دائما حسنة. فقديما قيل: إن طريق جهنم محفوف بالنيات الحسنة. فالسياسة هي فن الممكن، والسياسة هي خدعة الثعلب وبكاء الضباع. فمن يحمل طيبة الأرنب، وسماحة الدجاجة لا يمكن أبدا أن يحظى على مكتسب لامته. ومشكلتنا أننا نتعاطى مع السياسة - والتي عبر عنها الشاعر أحمد مطر بالنجاسة إذ قال: قاتل الله السياسة فهي بحر من نجاسة - بطيبة الأرنب لهذا ليس غريبا أن نقدم التضحيات ليتسلم كل من هب ودب الثمار ولأننا طيبون أكثر من اللازم نصمت، ونسكت خوفا من أن نقع في إشكال السقوط، أو حب الرياسة و... وهكذا يستمر مسلسلنا القديم الجديد... نتعاطى في السياسة بطيبة الأرانب وإذا بالآخرين خطفوا كل شيء وليس بوسعنا إلا البكاء في غرفنا المغلقة بممارسات لا تخلو من عملية جلد الذات على طريقة البكاء على اللبن المسكوب وهل نستفيد من الدرس؟ أبدا فحليمة من الصعب ألا تعود إلى عادتها القديمة.

ومن مشكلاتنا السياسية اننا دائما ما ندخل في معارك وهمية مضخمة قد نقاد إليها دون أن نشعر، ونجر إلى حروب وهمية نظن أن بها غنائم... لكننا نفاجأ - هذا إذا تيقظ الوعي بعد نومٍ طويل - اننا نلعب في ملعب وهمي ليس له ذاك المردود الكبير على المجتمع... ونعتقد واهمين أن ذلك «يهز» اللاعب الآخر... نحن نلعب للأسف الشديد في ملعب آخر هو ليس ملعبنا الحقيقي ولعل اللاعب الآخر يهمه كثيرا تكرس هذه السذاجة في الخطاب وفي تكريس هذه الملاعب الوهمية وفي الاختلاق والنفخ في بالونات القضايا الوهمية كالاختلافات على القضايا التاريخية.

للأسف إلى الآن الأجندة مبعثرة وضائعة والبوصلة مازالت موجهة إلى قضايا هامشية في أغلب دولنا العربية.

مازالت القوى السياسية في دولنا العربية تردد أننا نمتلك برنامجا عمليا ومكتوبا سواء في مصر أو الأردن وأغلب الدول العربية، وإلى الآن لم يعلن عن هذا البرنامج المكتوب وغير الموجود... ويبقى السؤال: أين البرنامج؟ فمحليا (مثالا) إلى الآن لم ندخل للضغط سلميا باتجاه حل أغلب ملفاتنا العالقة. أين نحن من:

1- ملف الفساد المالي والإداري والذي زادنا تهميشا؟ لماذا لا نطالب الجميع بالضغط لحل هذا الملف وفتحه على مصراعيه؟ لماذا لا نوثق ملفات الفساد وما يجري بحق فئات كبيرة في المجتمع... نبحث عن الأرقام، نوثق القضايا، نضغط محليا ودوليا... لماذا لم تشكل لجان وورش عمل ومؤتمرات عن ذلك؟

2- ملف التمييز وهو الغول الذي مازال يأكل البقية الباقية للجمهور الذي التف حولنا وقدم الكثير من أجلنا. ماذا قدمنا لهذا الملف من أرقام ووثائق ومتابعة؟ مثل هذه القضايا تحتاج إلى متابعة وإصرار وصبر.

3- ملف التجنيس.

4- ملف التعيينات الإدارية وتوزيع غنائم المناصب والتوظيف في القطاع الخاص والعام. هل رصدنا ذلك ورحنا نبحث عن الأرقام والتوثيق ومن ثم الضغط باتجاه الحل؟ أليست هذه هي الملاعب الحقيقية؟ اننا بحاجة إلى متطوعين يتابعون كل هذه الملفات بدقة وعلمية ومهنية واضحة. ومن أراد أن يعمل لحل كل هذه الملفات يجب ان يعمل في جو هادئ مستقر. نحتاج إلى شخصيات كفؤة وواعية ومتوازنة تتطوع لهذا العمل الجبار الذي إذا حل أو خفف - على الأقل - يكون له انعكاس على واقعنا السياسي وعلى أرزاق الناس وبالتالي نكسب الجمهور أيضا. فجزء كبير من هروب الجمهور عن المحاضرات بسبب غياب البرامج التي قد تؤمن لهم الرزق والأمان الوظيفي والاستقرار النفسي والثقافي والأمني. البطون الجائعة لا يمكن أن تشبعها الكلمات الجميلة، فالرسول (ص) يقول: «لولا الخبز لما عُبد الله». الناس ملت الكلام الإنشائي والحديث في المطلق... الناس تبحث عن برامج، تبحث عن مؤسسات تبحث عن مشروعات على الأرض. عشرات العاطلات عن العمل ظلما وبسبب التمييز، عشرات من خريجي الجامعة ملفاتهم مازالت عالقة وانظر إلى المشكلات: مشكلة الخصخصة وتسريح البحرينيين الفقراء. مشكلة سائقي التاكسي، مشكلة الصيادين وقانون النوخذة، مشكلة البطالة، الفقر في القرى، البعثات، غلاء الاراضي، التجنيس، التمييز، شهادة المعهد، الإهمال الخدماتي للقرى، دفن البحر وبيعه، الإسكان، التلاعب في التقاعد، أجنبة البحرنة، الفساد في السياحة، وأكثرها قضايا تؤثر على استقرار الناس. لماذا غابت هذه القضايا؟ لماذا لا تكون هناك نفرة عملية وضغط عملي؟

ما هو أهم من طرح كل هذه الملفات هو متابعتها. كيف نتابع الملف ونوثقه ونعمل على حلحلته.

بقدر ما نرفض خدعة الثعلب يجب أن نرفض طيبة الأرنب وما بينهما نتمسك بضمير القلب من دون أن يفقدنا وعي العقل.

إشارات:

- نبيل العسومي (مدير العلاقات العامة بوزارة التربية) إلى الآن ننتظر اجابته على الأسئلة عن وزارة التربية.

- سيكون لنا مقال عن الأراضي الوقفية غير المسجلة