في تقريره السنوي أعلن صندوق الأمم المتحدة لرعاية الطفولة (يونيسيف) الأسبوع الماضي أن الإيدز (مرض فقدان المناعة) تسبب في يتم 11 مليون طفل في إفريقيا وحدها. وتوقعت «يونيسيف» أن يرتفع العدد بحلول العام 2010 إلى نحو 20 مليون طفل إفريقي بسبب كثرة الإصابات في صفوف الآباء والأمهات. ورجح التقرير أن تكون الدول الإفريقية الواقعة تحت خط جنوب الصحراء الكبرى الأكثر عرضة لانتشار هذا المرض القاتل. وتقول المعلومات ان مجموع عدد الإصابات بـ «الإيدز» في تلك المنطقة وصل إلى 62,6 مليون إصابة.

إلى إفريقيا كشفت تقارير المنظمات والهيئات التابعة للأمم المتحدة عن فشل خطة مكافحة الفقر والجوع والأمراض في العالم كله. فالجوع ازداد وكذلك نسبة الفقراء. وارتفعت أيضا نسب الأمية والأمراض والكوارث وغيرها من مشكلات قيل إن الدول الغنية تهتم بها وتعطيها نسبة من أرباحها وثرواتها. ولكن التقارير تكشف عن أرقام تخالف كل تلك الوعود والبرامج والمشروعات. فكل التصورات والمخططات التي أشرفت على وضعها هيئات الأمم المتحدة بناء على وعود (كاذبة طبعا) تقدمت بها الدول السبع (الغنية) أعطت الوقائع الميدانية نتائج معاكسة. فالخطط افترضت تقلص الفقر وتراجع الجوع وتحسن مستوى المعيشة وجاءت الأيام لتكشف عن نتائج مرعبة تؤكد اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء وتركز الثروات في قلة من الدول على حساب الكثرة. فالتقارير كشفت عن فضائح في المساعدات وبخل شديد من قبل الدول الغنية. فمثلا ذكرت المعلومات أن أعداد المصابين بمرض «الإيدز» في العالم ارتفع إلى 25 مليون إصابة وتلقت الهيئات الدولية مبلغ 5 ملايين دولار لمكافحة هذا المرض سنويا في وقت قرر فيه جورج بوش رفع موازنة الدفاع الأميركية إلى أكثر من مليار ومئة مليون يوميا.

العالم إذن يتدهور على مستوى علاقاته الإنسانية في وقت تفترض النظريات تحسن مستوى المعيشة بسبب الاختراعات والاكتشافات وتطور المواصلات والاتصالات (الانترنت) والتجارة الحرة وغيرها من شبكات لها علاقة بالكلام عن «العولمة». فأية عولمة هذه. فالعالم الآن يعيش عوالم مختلفة وسلسلة أنماط متفاوتة من الإنتاج تقودها حلقة من الدول لا يتعدى تعدادها العشر بينما تعيش باقي الدول في درجات متباعدة من النمو من جهة أو الموات (الموت التاريخي) من جهة أخرى.

نظريات (العولمة) تفترض أن العالم يتحسن بينما الأرقام تشير إلى اشتداد حدة التعارض بين الأغنياء والفقراء. فهناك «طبقة» من الأمم تحتكر الثروة وتسيطر على مصادر الطاقة والرزق وتمنعها عن غيرها تقابلها «طبقة» أو «طبقات» من الأمم تتنافس على بقايا العيش وفتات الثروات التي تفيض عن حاجة الدول الغنية.

الجوع يزداد، والأمراض تنتشر، والثروات تتركز، والهوة تتسع بين الأغنياء والفقراء... والدول الكبرى تتنافس للسيطرة على ثروات العالم وتنفق المليارات يوميا على الدفاع والتصنيع الحربي وتحتكر مصادر العلم وتعطل إمكانات تطور الآخرين بافتعال الأزمات واختراع الحروب ضدهم.

لاشك في أن استمرار هذا النوع من تركز الثروة سيؤدي إلى خلل بنيوي في نمو العولمة وتطورها. وهذا الخلل سيزيد من حدة الاستقطابات السياسية بين البلدان المتخمة والبلدان الجائعة... الأمر الذي سيرفع من نسبة «الإرهاب» وسيزيد من انتشار الفوضى وانتقال العنف من دون ضوابط أو روابط.

إفريقيا مثلا في الستينات من القرن الماضي كانت أفضل من السبعينات، وكذلك السبعينات كان أفضل من الثمانينات. وحين انهار الاتحاد السوفياتي ومعسكره الاشتراكي في التسعينات قيل (أو قالت أميركا) إن العالم سيتحسن وضعه في العقد المقبل. وجاء القرن الجديد وأخذت الأرقام تشير إلى أنه أسوأ من القرن الماضي وأن التسعينات أفضل بكثير مما هو عليه الوضع في مطلع القرن الواحد والعشرين.

العالم طبعا لا يتراجع بل يتقدم. فالأرقام تقول إن موازين التبادل التجاري والمصرفي والسياحي والإنفاق العام كلها إلى ارتفاع. إلا أن السؤال أين يتركز ذاك التقدم وأين يحصل التطور وكيف يتم توزيع الثروات وأين يحصل الاستثمار؟ فالأرقام في هذا المعنى تخدع، فهي تتضخم وتزداد ولكنها أيضا لا تنتشر بأسلوب متوازٍ. وحين لا تستقيم العدالة في التوزيع فإن العالم مقبل لاشك على كوارث تتخذ سلسلة أشكال من الفوضى والعنف والارهاب إلى جانب الجوع والمرض والفقر.

تقارير «اليونيسيف» عن مرض الإيدز في إفريقيا لا تبشر بالخير. فالدول التي وعدت بالمساعدة كررت خدعها للمرة العاشرة بينما الملايين تموت... وملايين أخرى تنتظر دورها. يا لها من عولمة