أثارني فيلم تتداوله المواقع الالكترونية عن رئيس وزراء لبنان الجديد سعد الحريري خلال إلقائه بيان وزارته أمام البرلمان في 10 ديسمبر/ كانون الأول الجاري.
المثير في الفيلم هي الأخطاء اللغوية التي وقع فيها رئيس وزراء دولة مثل لبنان تعد إحدى أهم معاقل لغة الضاد التي أنجبت فطاحل اللغويين، عدا عن كونها أهم مراكز صناعة الأدب والثقافة في العالم العربي.
بالطبع لا يمكن تبرئة المعارضين للحريري وكتلته النيابية من الوقوف خلف هذا التشهير، وخصوصا أن الفيلم معروض الآن على عشرات المواقع الإلكترونية وفي مقدمتها موقع يوتيوب الذي وصل عدد مشاهدي مقطع الخطاب حتى يوم أمس (الأربعاء) إلى أكثر من مليون و300 ألف مشاهد.
بالطبع لا يمثل الحريري هنا حالة فريدة في عدم إتقان اللغة العربية بين عدد كبير من المسئولين، لكن غيره قد لا يملكون معارضة قاسية كالمعارضة اللبنانية، كما إن أقرانه عرفوا كيف يتجاوزون هذا الامتحان عبر أساليب لا يمكن أن يجهلها الحريري أو المقربون منه.
قد يجد المدافعون عن الحريري أعذارا لقراءته الركيكة تلك، من بينها ثقافته غير العربية. وإذا قلنا إن لهذا العذر جانبا من الصحة، فإنه لا يعفيه من مسئولية تطوير نفسه أو يفكر جديا في الانكفاء عن إلقاء الخطب ويتركها لمن هو قادر على مقارعة المعارضة اللبنانية الحصيفة والمتمرسة في حججها وخطاباتها الرنانة التي لا تنقصها اللغة الرصينة، حفاظا على هيبة مؤيديه الذين لن تعوزهم بالتأكيد فتح جبهة جديدة هدفها الرد على المتصيدين بأخطاء زعيمهم، وخصوصا أن مشكلة الحكومة في لبنان ليست مع الخارج الذي قد يعرف الحريري كيف يتحاور معهم بلغتهم وثقافتهم ربما، بل هي مع الداخل المعارض الذي يشن معارك سياسية وسيلتها الخطابات الحامية التي ما إن تهدأ واحدة حتى تهب أخرى.
لا شك في أن الحريري لا تعوزه الفطنة أو القدرة في التعامل السياسي، إذ إنه تربى في كنف والد معروف بقدرته على إدارة العمل السياسي بحنكة مشهودة أهّلته لقيادة بلد صعب مثل لبنان في ظروف صعبة، لكن تبقى للغة التعبير القادرة على المحاججة أهمية خاصة صارت عند الغربيين معيارا أساسيا لاختيار قياداتهم السياسية، فهل صار لزاما على العرب أن يعرفوا أهميتها أيضا، ولاسيما أنهم لم يرثوا عن أجدادهم سوى لغة الخطابة والشعر، أم أضاعوا هذه أيضا؟
إقرأ أيضا لـ "علي الشريفي"العدد 2666 - الأربعاء 23 ديسمبر 2009م الموافق 06 محرم 1431هـ
تعجبني كتاباتك يا استاذ الشريفي
تعجبني كتاباتك يا استاذ الشريفي سواء عن العراق او في هذا المقال المتميز فشكرا لك