المطر نعمة يتحول إلى نقمة أحيانا، ويكشف عن قصور في أداء بعض الأجهزة الرسمية أحيانا أخرى، فالمطر الذي هطل علينا مؤخرا هو خير دليل على هذا القصور بشهادة الجميع دون استثناء كونه تم تحت مرأى أبصارهم.
وهذا النوع من القصور في الأداء لا يحتاج الى أجهزة للرقابة المالية أو الإدارية لكشفه، فطريقة انسياب شوارعنا إلى الداخل وعدم بناء الأرصفة إنما قصد بها أن تتحول هذه الشوارع الى مستنقعات لمياه الأمطار والوحل. أما بشأن الأحياء السكنية التي لم تصل الى شوارعها يد الإعمار بعد فقد عادت بعضها الى عصر ما قبل النفط فحوصرت المساكن فيها بالوحل والمستنقعات.
يتطرق هذا المقال الى نظام الجودة QC/QA ومدى إمكانية الاستفادة من هذه الأداة الإدارية لتحسين الأداء المتعلق ببناء شوارعنا، وتجنب التكاليف الناتجة عن تكرار تصحيح الأخطاء والعيوب كالتشققات والتموج والتآكل السريع وذلك من دون الانتقاص من الدور الكبير الذي تضطلع به وزارة الأشغال للحاق بالنمو السريع في عدد المركبات وفي التوسع العمراني وسرعة وتيرة النمو السكاني.
لنظام الجودة أبعاد عدة وضعها الخبراء والمختصون الذين اعتمدوا عدة معايير للقياس وفقا لطبيعة العمل في كل قطاع. وقد اتفق الخبراء على أن رضا الزبون، وإن اختلفوا على نطاق تحديده، هو المعيار الصحيح لقياس مستوى جودة السلعة أو الخدمة.
لقد تطور نظام الجودة من التركيز على تحسين مستوى العمليات الإدارية PROCESSES اللازمة لتحسين الأداء وضبط الجودة بعد انتاج السلعة أو تقديم الخدمة، وهو ما يطلق عليه ضبط الجودة QA الى التركيز على تأكيد جودة الخدمة بمعايير أشمل لا تقتصر على الزبون فقط بل تشمل كذلك المزودين ومختلف المتعاملين، مع استمرارية تقييم ومراجعة الإجراءات للتأكد من كفاءتها قبل انتاج السلعة أو تقديم الخدمة لتجنب وقوع أخطاء مكلفة.
ففي القطاع الصحي مثلا وضعت معايير أطلق عليها KQCAH. وهذه المعايير لا تقتصر على قياس مستوى رضا المرضى كزبائن بل تشمل كذلك، في عملية التقييم والقياس، مستوى رضا ذويهم.
ويعتبر الدكتور ادواردز، الذي وضع ما يعرف بدائرة SHEWHART، التي ترتكز على أربع خطوات أطلق عليها PDCA وهي التخطيط ومن ثم العمل والمراجعة والتنفيذ، أحد خبراء الجودة البارزين.
لقد أصبح عامل الجودة مكملا لعامل السعر وتخفيض الكلفة في عالم ادارة الأعمال بسبب التكاليف الباهظة والآثار الضارة الناتجة عن عدم تطبيق أنظمة الجودة. فالحديث عن التميز ليس بديلا عن تطبيق أنظمة الجودة في جميع القطاعات الخدمية والصناعية.
لقد شهدت مملكة البحرين خلال السنوات الماضية طفرة كبيرة في الجهود المبذولة لمعالجة الاختناقات المرورية انعكست في الخطة الاستراتيجية التي وضعها المجلس الأعلى للمرور، والتي استعرضها تقرير وزارة الداخلية أمام مجلس الشورى في العام 2005 في ردها على سؤال قدمه كاتب هذا المقال الى الوزير يتعلق بالخطة الموضوعة لمعالجة الاختناقات المرورية. وقد تضمنت الاستراتيجية مشاريع لإنشاء الجسور والأنفاق، وتطوير شبكة الطرق، وتحسين أداء التقاطعات، وتأهيل الشوارع القديمة. وقد بلغت الموازنة المقدرة للمشاريع الفورية فقط آنذاك أربعة وستين مليون دينار.
كما شملت الخطة مشاريع استراتيجية أخرى كمشروع جسر سترة وربط المنطقة الصناعية في ميناء سلمان بالمنطقة الصناعية شمال سترة وتحديد إنشاء الجسور العلوية على التقاطعات المتعلقة بإنشاء جسر البحرين - قطر.
الآن وبعد مرور أربع سنوات نشهد تبلور هذه الاستراتيجية على أرض الواقع ممثلة في إنشاء الجسور المعلقة والأنفاق، حيث العمل جارٍ وفقا لتلك الخطط.
من جهة أخرى، فقد تمكنت وزارة الأشغال من إدخال تحسينات كبيرة على طرق إنشاء الشوارع الرئيسية وفقا للمعايير العالمية، إلا أن الخلل واضح بالنسبة إلى الطرق الداخلية التي تحول جلها الى مستنقعات مغطاة بالوحل بسبب الانسياب الى الداخل أو عدم وجود الأرصفة المانعة لزحف الطمي وذلك في منظر لا يتناسق والموارد المالية المخصصة ولا بسمعة المملكة المشهود لها بالسبق في التنظيم والإدارة.
من الواضح أن هذا الوضع غير اللائق ليس دليلا على وجود نظام للجودة يطمئن على اتباع المهندس المشرف على المشروع بإجراءات الجودة، وتقيد الشركة المنفذة بالمواصفات الموضوعة. وهذا ما أوصت به الدراسة التي أجرتها إحدى الشركات الاستشارية التي استقدمتها وزارة الأشغال في العام 2002 عندما أوكل الوزير لكاتب هذا المقال مهمة الإشراف وتنسيق مشروع الدراسة.
إن الحجم الهائل من مشاريع البنية التحتية في البحرين يتطلب دعما للعمليات والنظم الإدارية المسئولة عن إدارة تنفيذ هذه المشاريع بكفاءة عالية لتجنب تكرار أخطاء مكلفة نراها ماثلة أمامنا بوضوح كل عام عندما تهطل علينا بعض من بركات السماء والتي نأبى إلا أن نجعل منها نقمة.
فهل من سبيل إلى تجنب هذه المنغصات؟
إقرأ أيضا لـ "عبدالحسن بوحسين"العدد 2666 - الأربعاء 23 ديسمبر 2009م الموافق 06 محرم 1431هـ