زيارة سعد الحريري لسورية ليست زيارة عاديّة. فهي لشخص دَأَبَ أنصاره على تعليق دَمِ والده على رقبة مضيفه. الأكثر أن الزيارة اصطبغت بجانبها الشخصي حين تضَمَّخَت برائحة «عائليّة حريريّة» إلى جانب ظرفها الرسمي البروتوكولي، الذي تجاوزه الرئيس الأسد مرّات ومرّات لإظهار مودّة أكبر.
في ما خَصّ الحلفاء، فقد ضاعت بعد هذه الزيارة سُلَف المسيحيين داخل قوى الرابع عشر من آذار التي قدّموها في أتون معركة سياسية حَسَبُوها جولة يتيمة. سَلَفٌ قدّرها (طفيليون بينهم) خطأ فأصبحت دَيْنا معدوما لن يعود لصاحبه.
تطرّف القواتيون والكتائبيون (وحتى جزء من أطراف المستقبل والجنبلاطيين) مُؤمّلين على عداوة مفتوحة مع سورية قد تعوّضهم عن حظوة ناقِصة، فانتهوا إلى هامش مُؤكّد. وهي ضريبة عادة ما تفرزها السياسة عندما تُحَمَّل وزنا زائدا على قوائمها.
مَنْ أقْرَضَ الحريري تصريحات ناريّة بعد العام 2005 (من مسيحيي 14 آذار وغيرهم) أصبح اليوم متورّطا بها. كانت الأمور المُقبِلَة مُشبِّهة لهؤلاء. لكنها أصبحت مُنبّهة في إدبارها بشكل مريع. لم يُدركوا بأنّ الموجة الإمبريالية المحافظة التي ساروا في ركبها كان مركزها الفشل الأميركي في العراق، وليس نجاح ميركل في ألمانيا.
كان ضمور النَّبَه السياسي لدى هؤلاء ساقَهُم لأن يُعوّلوا على «اجتماعات الموائد» المُقامَة على شرفهم في البنتاغون والبيت الأبيض، ونَسَوا حقيقة الجغرافيا التي تجعلهم داخل الفرو السوري بأقلّ استدارة.
كان «الزّهو» الموالاتي قد وصل حدا ذكّرنا بانتصارات مقدونيّة مُتحققة، وأخرى قادمة. تقودهم في ذلك ذهنيّة ساذجة تُوهمهم بأن «العسكرتاريا» الأميركية هي حصان طروادة الذي به سيدخل الجميع إلى عرين الأسد، وكأنهم في ذلك يتشبّهون بالمعمدانية الجنوبية المُؤدلجَة.
لقد كانت تصريحات تشيني وولففتز ورامسفيلد قد سَلَبَت من هؤلاء حصافة السياسيين، وجعلتهم لا يرمقون إلاّ النهايات بضبابية وتوهّم غير مُبرّر، دون النظر إلى الطرق المُفضِية إلى تلك النهايات، فانزلقوا في أوهن الرؤى السياسية، وأقلّها اكتراثا بمجموع الحقائق.
لقد سارَ جمعٌ كبير من أولئك السياسيين في طوابير لا تُؤدي بهم إلاّ نحو الانحياز صوب الأعداء الأصليين ضد أعداء وهميين لم تستطع الظروف ولا الأحداث ولا حتى الإعلام تصنيم عداوتهم أو إبقائها مُتوهّجة لأكثر من ثلاثة أعوام. فاكتشفوا لاحقا أن معاركهم مع أولئك هي معارك مع ذواتهم في الداخل.
كانت الأمور أشبه بسيناريو لا تعدو خاتمته أقلّ مما آلت إليه الأمور اليوم. فعندما تحكّمت تلك «الطفيليات» في أمور البلاد والعباد، وأرادت محاصصة الكبار، ظَهَرَ أن المعادلة لا تحتمل أكثر من نهاية عادلة لهذه الفوضى «الخلاّقة» التي صدّرها الجمهوريون إليهم. والنتيجة كانت: صداقات وعداوات تُميّلها (وتُقَعِّدها) التحالفات الإقليمية والدولية.
كان ذلك «التخبّط» من قوى داخل الموالاة قد أعطى انطباعا بأن خللا قد وَقَع في «سلّم الأولويات» لدى هؤلاء. وأدخَلَ لبنان والمنطقة بمحاورها في حالة استقطاب وندّيّة بغيضة لازال عفريتها يتوثّب الخروج من قمقمه كلّ حين.
اليوم بدَت الأمور وكأنها نهاية لمشهد درامي في هوليود. فالمُتَهَكَّم عليهم بالأمس لتحالفهم مع سوريا (عون مثالا) باتوا طوق النجاة لهؤلاء لكي يشدّوا الرحال عبرهم نحو سورية، ويغسلوا أدراك الحديث.
لذا فليس غريبا أن يُمهّد سليمان فرنجيّة للحريري زيارته لسورية. وليس مُستَبعَدا أيضا أن يُمهد طلال أرسلان زيارة جنبلاط (المأمولة) لسورية، أو أن يُمهّد حتى ميشال عون زيارة البطريرك الماروني لدمشق، لكن الغرابة والاستبعاد والصعوبة في كيفية الحصول على مزيد من الشُفعاء لجمع متعدد وهائل من الموالاة بات مهووسا بزيارة للشام.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 2666 - الأربعاء 23 ديسمبر 2009م الموافق 06 محرم 1431هـ
المراهنات الغريبة
عندما يراهن عربي مع غربي ضد عربي تصبح مشكلة
العلاقات الهادئة غير المنفعلة هي الأجدى
العلاقات الهادئة غير المنفعلة هي الأجدى
بومريم
الاخ محمد المحترم
نقدر لك إهتماماتك وكتاباتك الجميله عن الشأن العربي وكأنك قومي قح ..!
فكما تعرف السياسه مافيها صديق وعدو دائم بل مصالح مشتركه .
ولذلك حبيت أزيدك من الشعر بيت وأقول لا أستبعد أن تعقد قطر قمه خليجيه ويشارك بها زعيم الحوثيين