العدد 2666 - الأربعاء 23 ديسمبر 2009م الموافق 06 محرم 1431هـ

إذا قالت مها الغنيم فصدقوها

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في حديث ساده الكثير من الصراحة مع برنامج «أسواق الشرق الأوسط CNN»، وجهت رئيسة شركة «دار الاستثمار العالمي - غلوبل» الكويتية مها الغنيم، انتقادات شديدة للطريقة «التي تعاملت معها حكومات المنطقة، وخاصة في الكويت، مع الأزمة المالية العالمية، مؤكدة بأن تأثير هذه الأزمة لم يكن ليصبح بهذه الشدة، ولما حدث الضرر وتراجعت الثقة في الأسواق بالشكل الحالي، لو أن المسئولين قاموا بخطوات سريعة وقوية لمواجهتها».

هناك الكثير من الأسباب التي تضفي على تصريحات مها الغنيم الكثير من الأهمية، وتضعها في مكانة خاصة، لعل من بين أهمها:

1. طبيعة المؤسسة التي تنتمي إليها مها الغنيم، فبيت الاستثمار العالمي غلوبل، الذي تأسس في العام 1998 كشركة استثمارية ترتكز في نشاطها، كما تقول عنها إحدى المطويات الصادرة عنها «إلى مفهوم الالتزام والاستجابة لتطلعات عملائها المحليين والدوليين، والارتقاء بصناعة خدمات الاستثمار والسوق الرأس مالية في الكويت والمنطقة.

وتمارس غلوبل دورا مهمّا في ترويج وتسويق فرص الاستثمار في الخليج العربي إلى المستثمرين من خلال خبرتها في ابتكار خدمات الهيكلة المالية، وإصدار بحوث معمّقة ومنتظمة تغطي مختلف اقتصاديات وأسواق وبلدان منطقة الخليج تهدف إلى تطوير السوق الرأس مالية في المنطقة. وقد حظيت إنجازات غلوبل مؤخرا بجوائز محلية، إقليمية وعالمية.

تدير الشركة أصولا تصل إلى 2.085 مليار دينار كويتي (7.2 مليارات دولار أميركي) كما في نهاية ديسمبر/ كانون الأول 2006». هذه المكانة تضفي الكثير من المصداقية على تشخيص الغنيم للسياسة الخاطئة التي عالجت بها حكومات المنطقة الأزمة المالية.

2. اكتواء شركة «غلوبل» ذاتها، وبشكل مباشر، بنيران الأزمة المالية العالمية، وانعكاساتها الخليجية، واضطرارها منذ منتصف العام 2008 إلى وضع خطة متكاملة، سبقت فيها معظم شركات الاستثمار الخليجية بما فيها شركة «دبي العالمية»، من أجل التأقلم مع تلك الأزمة من خلال إعادة جدولة ديونها ضاربة عرض الحائط، كما تقول الغنيم ذلك «النمط الثقافي الذي يغلف بيئة الأعمال في منطقة الخليج بشكل خاص ومنطقة الشرق الأوسط عموما والذي ينظر إلى الإعسار وإعادة جدولة الديون على أنها مسألة مشينة ومستهجنة، رغم أنها من الممارسات السائدة في الاقتصادات المتقدمة، وتعتبر جزءا أصيلا من القواعد المصرفية والمالية في العالم». وهو الذي دفع غلوبل، كما تقول الغنيم إلى التمسك باسترتيجية هجومية، حتى إبان تلك الأزمة تقوم على «تعاظم الإيرادات الواردة عن المكاتب الإقليمية والدولية».

وأضافت «ان استراتيجيتنا المستقبلية هي مواصلة زيادة الإيرادات من خلال تعزيز القيمة الدفترية وزيادة المعدل في صافي الدخل». هذه المعاناة تحول تصريحات الغنيم إلى تحذيرات خطرة من المرحلة الاقتصادية المقبلة المقدمة عليها منطقة الخليج العربي.

مما لا شك فيه ان المكانة المتميزة والخبرة الغنية التي يتمتع بهما غلوبل في أسواق المال، سواء بفضل أدائه المالي، أو نظرا إلى مستوى الأبحاث والدراسات التي يقوم بها، تدفعنا إلى التمعن فيما تقوله الغنيم، نظرا إلى ما يحمله ذلك من مدلولات من بين أهمها:

1. المدخل الخاطئ، من خلال التريث غير المنطقي، والتلكؤ غير المسئول، الذي عالجت به حكومات المنطقة تداعيات الأزمة المالية، سواء في قنواتها الدولية غير المباشرة، أو هياكلها المحلية المباشرة. وقد عبر عن ذلك الموقف، دون أي استثناء، تصريحات الكثير من المسئولين عن السياسات المالية في دول مجلس التعاون، الذين، وبإصرار يثير الشبهات، تمسكوا بعدم تأثر الاقتصاديات الخليجية بتلك الأزمة، مبررين ذلك بحرصهم على عدم إشاعة الخوف في نفوس المواطنين، أو صفوف الشركات، خشية أن يصاب كلاهما بالهلع، ويلجآن إلى «تهريب» أموالهم واستثماراتهم إلى الخارج.

2. اقتراب موعد موجة أزمة جديدة تقترب من شواطئ الخليج، لا تستحمل ذلك التلكؤ، ومن هنا فهناك دعوة مبطنة في تصريحات الغنيم إلى دولة المنطقة، كي تغادر كراسي الراحة الوثيرة التي تنعم بالجلوس فوقها إلى ساحات العمل المضني المباشر، إن هي أرادت حماية اقتصاداتها من موجة الأزمة القادمة.

وفي تصريحات الغنيم الكثير من المنطق على هذا المستوى. فالأزمة التي بدأت في هز عروش سلاطين المال الأميركية من أمثال بنك «ليمان براذرز» و «اي آي جي» منذ منتصف العام 2007، لم تصل إلى شواطئ أسواق القارة الأوروبية قبل منتصف العام 2008، وبالتالي فمن المتوقع، والطبيعي، أن تصل، وبزخمها القوي، وليس ذيولها أو تداعياتها، إلى الشطآن الخليجية مع إطلالة العام 2010.

3. خطورة التغاضي عن الأزمة أو نكران وصولها إلى المنطقة، فكما تقول الغنيم إنه «على الرغم من أن التوقع السائد كان بعدم تأثر أسواق دول مجلس التعاون بما يحدث في الأسواق العالمية الأخرى، بيد أنه ثبت عدم صواب هذا التوقع، وقد مرّت معظم أسواق الأسهم في دول مجلس التعاون الخليجي ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمرحلة انخفاض حادّ منذ سبتمبر/ أيلول 2008».

وربما اضطرت الغنيم إلى استعارة تعبير «التوقع» بدلا من المجاهرة واستخدام تعبير «المكابرة والإصرار على النفي». وهو السلوك الذي ساد تصرفات الحكومة الخليجية منذ اندلاع الأزمة المالية العالمية في منتصف 2007.

4. كبر حجم الأزمة المقبلة، التي كما تحذر منها الغنيم في تصريحات أخرى نقلتها عنها صحيفة «القبس» الكويتية، والتي قالت فيها لقد «رأينا عدة أزمات كانت لها تداعيات ليست بالهينة على بعض الشركات الاستثمارية... ورغم ذلك كنت دائما أقول للعاملين لديَّ إنكم لم تروا انهيار الأسواق بعد، حتى أتت الأزمة العالمية الأخيرة التي وضحت المعنى الحقيقي للأسواق المنهارة. وأعتقد أن انهيار الأسواق يجعلك تعود للالتزام بقواعد وأساسيات الاستثمار الموجودة في الكتب، والتي قد ننساها مع ازدهار الأسواق وتحقيق الأرباح التي تجعلنا نزداد ثقة بأنفسنا وبمن حولنا أكثر من اللازم».

تصريحات مها الغنيم هذه تستدعي أن يعيد المسئولون الماليون الخليجيون النظر في سلوكهم لدرء الأزمة، ناهيك عن تصريحاتهم، قبل أن يروا، كما تقول مها، ما لم يروه من قبل. وفيما تقوله مها الكثير من الصدق والمنطق، الذي لا نملك إلا أن نصدقه.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2666 - الأربعاء 23 ديسمبر 2009م الموافق 06 محرم 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً