قال عبدالله بن عمَّار بن يغوث، ما رأيت مكسورا قط قد قتل ولْده وأهل بيته وصحبه، أربط جأشا منه، ولا أمضى جنانا، ولا أجرأ مُقْدما، ولقد كانت الرجال تنكشف بين يديه إذا شدَّ فيها، ولم يثبت له أحد.

تاريخنا يعجُّ بأذى كثير. أذى لا يطال فقط المراد له أن يُغيَّب؛ بل أذاه يمتد إلى ما يراد له أن يكون حقيقة وواقعا. تاريخنا يكتنز بمظالم التدوين. الكذابون الخراصون الذين تصدَّوا لكتابة التاريخ أكثر كذبا من ساسة اليوم، وأكثر دجلا من مسوقي الوهم. تاريخنا يكتنز بنجَس يمشي على الأرض. تاريخنا أعلى أذلة خاسئين ومأجورين وقطاع طرق وقتلة وفجرة ومغتصبين وشذاذ آفاق، ولم يتورع لحظة عن «الحط» من قيمة شرفاء وأحرار وأفذاذ وعباقرة ومصلحين ومنافحين عن القيم والأخلاق والروح. تاريخنا فيه من السواد والظُلْمة ما يكفي لتحويل هذا الكوكب إلى ليل سرمدي لفرط الكذب والدجل والتحريف والاختلاق والزعم والتثبيت بكذب صراح. تاريخنا ثلمة لن تسد إلى قيام يوم الدين، وخاصة أن بعض أحفاد أولئك على الدرب والنهج نفسه؛ بل أكثر إمعانا في الكذب والدجل والتحريف والاختلاق والزعم والتثبيت بكذب فائض؛ إذ المال أوفر، والمغريات أرحب، ومزادات الشراء تمتد من مجاهل إفريقيا المحصنة بأموال النفط، إلى الحواضر العربية في مدن لا ترى بأسا في عهر صريح، ولكنها تستنفر أجهزة أمنها وحتى تموينها حين يدخل التاريخ في حال صحوة!

ليس حنينا إلى التاريخ؛ بل هو حنين إلى تصحيح مساره. مساره الذي صودر في أكثر من سكرة. ولن يصلح حال الحاضر والمستقبل مادام المستقبل - إن وجد - يتسلح برؤية مزورة لماضٍ مزوَّر.

جعفر الجمري