العدد 2666 - الأربعاء 23 ديسمبر 2009م الموافق 06 محرم 1431هـ

عقدة الآخر... التسعينيون نموذجا (الأخيرة)

كنّا في الجزء الأول من مقالتنا هذه، قد قاربْنا - من خلال المعاينة التي أجريناها - ما وجدناه لدى علي الشرقاوي من مصادرة مخاتِلة لمجايلِيه من مبدعينا، وذلك ضمن مقالته (أسرة الأدباء والكتاب: الكلمة من أجل الإنسان). ومن المهم الإشارة ، هنا ، إلى أن مقالته هذه قد نُشرت في «أخبار الأدب»، يوم الأحد الموافق للخامس عشر من نوفمبر/ تشرين الثاني العام 2009م - السابع والعشرين من ذي القعدة سنة 1430هـ - العدد 853 وقد سقطت هذه الإشارة من الجزء الأول من مقالتنا المنشورة يوم الخميس الماضي.

وبالعودة مرة أخرى، إلى سياق حديثنا الأصلي؛ نذكّر بأننا لم نهدف مما سبق إلى تتبّع تناقضات علي الشرقاوي، ومصادراته على زملائه؛ فهم أولى بأن يعالجوها ويصوِّبوها. ولكننا نستهدف من خلال هذا التحليل الوقوعَ على ما يميِّز شخصيته، وفهم أسباب مصادراتها للآخر. وقد عرضنا لذلك في الجزء الأول. وما دامت الحال هذه؛ فلن نستغرب إذن من المصادرة التي يقوم بها هنا للجيل التسعيني؛ فهي إنما تأتي في سياق مصادرات بالجملة. وهذا ما سنحاول معاينته فيما يلي.

ابتدأ علي الشرقاوي مصادرته لما يُسمّى بالجيل التسعيني، بعد أن قام بعملية سرد مطوّلة لتاريخ الأسرة. إلاّ أن مصادرته، هنا مختلفة؛ إذ بينما كانت مصادراته هناك مخاتلة، فإنّ مصادرته هنا كانت مباشرة؛ ممّا يدل - ربما - على فقدان الصبر والتؤدة في إطلاق الأحكام. ولعلّنا نفهم انعدام الصبر لديه من خلال كون المفارقة لدى هذا الجيل تتسم بقدر كبير من المغايرة والاختلاف، على العكس من المجايلين له أو من أتى بعده من جيل الثمانينيات على سبيل المثال. وجيل الثمانينيات هذا، قد تعرّض للمصادرة مرة واحدة، وإلى الأبد، وذلك بأن تمّ محوُهُ من الذاكرة بطريقة إجرائيّة، من خلال عدم الالتفات إليه إلاّ عَرَضا، ومن خلال تحميل مسئولية ذلك لجيل التسعينيات الذي قفز على جيل الثمانينيات، كما يقول.

يبدو أنّ التمهيد السابق كان ضروريّا بالنسبة له كمدخل مناسب لارتكاب مصادرته الكبرى، غير المواربة. وقد أضاف جملة أحكام، وألصق مجموعة من النعوت بجيل التسعينيات تارة وبالمتصدين للأسرة تارة أخرى، من قبيل:

- لم تتوضح أدواته الفنية «جيل التسعينيات».

- دخول هذه المجموعة «جيل التسعينيات» إلى الأسرة فتح الباب واسعا لكل من كتب خاطرة للحصول على عضوية الأسرة.

- لغياب الوعي الفني والأدبي والاجتماعي. كان هناك اهتمام بالكم على حساب الكيف.

- للتصورات الخاطئة التي التبست عند البعض. كان هناك تصور أن جيل البدايات أو المؤسسين قد أشبعت تجاربهم بحثا ونقدا، ومن أجل إيصال الأصوات الجديدة إلى مساحات أطول، محليا وعربيا، بدأ بعض من يكتبون بالكتابة عن تجارب ضعيفة ساهمت في عزل الأسرة عن مسارها الذي سارت فيه طويلا وتحولت عندهم إلى عملية امدحني و أمدحك أو اكتب عني و أكتب عنك.

- الطامة الأكبر في أن تبدأ مرحلة من الفراغ الروحي في أن يقوم الكاتب بالتوقيع على كتابه، على رغم أن محتوى هذا الكتاب أقل من أن يستحق هذا التوقيع وهو أقرب لتجارب لا تصلح حتى لصفحة القراء في أي صحيفة من الدرجة الرابعة.

تتصل المصادرة التي يرتكبها الشرقاوي، هنا، بتركيبة معقّدة حاول أن يبدأها بتهمة عدم توضح الأدوات الفنية. وهي عبارة فيها كثير من العمومية والتجريد. ويبدو أنّها متقصّدة لجعل الأمر يبدو متعلِّقا بتجارب بدائية للغاية. وممّا يدلل على ذلك، ما أضافه من كون دخول هذه المجموعة قد فتح الباب واسعا لحصول كل من كتب خاطرة على عضوية الأسرة. وهذا الأمر - على أية حال - بحاجة إلى تحقيق وتدليل، وتقديم جردة حساب من الهيئات الإدارية لأسرة الأدباء والكتاب في ذلك الوقت. والأمر الجدير بالاهتمام، في هذا السياق نفسه، هو التهمة التي توجّهت للهيئات الإدارية بالاهتمام بالكم على حساب الكيف؛ إذ لا بد من وضع النقاط على الحروف. فأي إدارة من الهيئات الإدارية المتعاقبة لأسرة الأدباء هي المقصودة بهذا الكلام؟... وكيف تمّ تمرير ذلك من خلال اجتماعات الجمعية العمومية المتعاقبة؟... وهل أنّ علي الشرقاوي كان حاضرا فيها أم لم يكن حاضرا؟... وفي حالة حضوره، هل طرح ما لديه من هواجس أم لا؟... وهل دُوِّن ذلك في محاضر الجلسات أم لم يُدوَّن؟.. وفي حالة تغيّبه - إن حصل ذلك - فما هو السبب؟... إنه لمن المهم لمن يزعم مقاربة تاريخ الأسرة وراهنها أن يجيب عن كل تلك الأسئلة التي يتناسل بعضُها من بعض، ويوضح الالتباسات التي تنطوي عليها؛ وإلا فإن ما يقوله ويزعمه سيتحوّل إلى مجرد هذيان لا معنى له، ونحن في غنى عنه.

ومهما يكن من أمر، فإنّ الشرقاوي يمعن في ارتكاباته اللاّ محسوبة؛ ليجد نفسه رافضا حتى للكتابة النقدية عن هذه التجارب الجديدة. ويرهن ذلك إلى سذاجة «البعض» الذين تصوّروا أن جيل البدايات أو المؤسسين قد أُشبعت تجاربهم بحثا، فقاموا بالكتابة عن هذه التجارب الجديدة. وقد تناسى أنه وصمها بعدم النضج الفني. أوليست هذه التجارب الغير ناضجة فنيا، هي أحوج ما تكون - إذن - إلى «النقد»؟!... أم لنا أن نفهم هذا الاعتراض من قبل الشرقاوي بطريقة أخرى كي يستقيم الأمر وتوضع الأشياء في مواضعها الصحيحة؟!

علينا ألاّ ننسى، مرة بعد المرّة، أنّ علي الشرقاوي مطالبٌ بوضع النقاط على الحروف، فيوضح - بصريح العبارة، وبشجاعته المشهود له بها في تحوّلاته الكبرى - المقصودَ بكلمة «البعض» خلال هذه السنوات المتمادية منذ منتصف التسعينيات. ولسنا بحاجة، في هذا المقام، لتعداد الأسماء التي اشتبكت بالكتابة عن التجارب الإبداعية، وسنكتفي فقط بالإشارة إلى كتاب (نص في غابة التأويل) الذي كان نتاجا لمعاينات نقدية كتبها أربعة من الزملاء هم (عبدالله جناحي - فهد حسين - كريم رضي - جعفر حسن)، وقُدّمت في المشاغل النقدية لأسرة الأدباء في تلك الفترة. وفي هذا المقام، ننصح علي الشرقاوي بإعادة قراءة الأوراق المتضمنة في هذا الكتاب إن كان قرأها من قبل؛ أو بقراءتها إن لم يكن قد قرأها؛ ذلك أن هذه الأوراق كانت تتضمن من القسوة النقدية في المعاينة ما يجعل كلامه عن تحوّل الكتابة إلى عملية (امدحني وأمدحك أو اكتب عني وأكتب عنك) مجرد ادعاءات لا أساس لها. على أننا - وإنصافا منا للشرقاوي - نطالبه بأن يأتي بالشواهد على مُدّعاه بتحوّل الكتابة إلى عملية (امدحني وأمدحك أو اكتب عني وأكتب عنك). ولعلّنا، هنا، نساعده في الوصول إلى أرشيف الكتابات النقدية خلال هذه الفترة. أمّا فيما يخص عبارته (امدحني وأمدحك أو اكتب عني وأكتب عنك)، فإننا نعلم علم اليقين أنه لا أحد من الذين يُزعم انتماءهم إلى المشهد الحداثي أعلمُ من علي الشرقاوي بالمدح وأساليبه ارتكاباتٍ وارتباكات. هذا وإن شاء، فلنا أن ندلّه - أيضا - على المواضع التي كان فيها تجاوُزُ أبسط عتبات الكتابة؛ بل واستلزم الأمر من أحد نقّادنا كتابة تدافع عمّا لا يليق بكاتب مبتدئ، فما بالك بمن يدّعي التمرّس والأستاذية!!!... على أنّنا - في هذا المقام - سنطوي كَشْحا عن أبسط ما يُتطلّب من أي مبتدئ في حال قراءته نصّا إبداعيّا - ودعْ عنك أن يكون هو كاتب النص - من عدم الوقوع في الأخطاء المعيبة.

أمّا فيما يخص مرحلة (توقيع الكتب) التي ذكرها صاحبنا علي الشرقاوي، فنترك أمرها لمن كانوا يعانونها أو اشتبكوا بالتباساتها المباشرة. وإن حانت منّا التفاتة رفعنا بعض حجاب عنها.

أمّا وقد وصل بنا المطاف إلى هذا الموضع، فلنا أن نشير إلى أنّ الاحتفالية بمرور أربعين عاما على تأسيس الأسرة تستحق أن يُعرض لها من خلال معاينات نقدية رصينة، وحلقات نقاشية مُعدٍّ لها بصورة جيدة. فيُتحوّط من الوقوع في وهدة الكتابة المجانية، كما هي الحال في ما رصدناه. وبذلك، يتم تجاوز الحالة الشخصانية في معاينة الأمور، ومحاكمة التاريخ الأدبي.

ملاحظة: الأسماء التي ذُكرت، هنا، إنما كان ذكرها بقصد التوثيق، وليس بقصد التوهين من المكانة الأدبية، التي نحتفظ فيها بتقديرنا للجميع فيما قدّموه وأنجزوه

العدد 2666 - الأربعاء 23 ديسمبر 2009م الموافق 06 محرم 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً