العدد 2666 - الأربعاء 23 ديسمبر 2009م الموافق 06 محرم 1431هـ

صراع الأخيار و الأشرار والنهايات السعيدة للأحداث (2 - 4)

الحكايات الشعبية في البحرين ...


توظيف الحكاية الشـعبية

وظفت الحكاية الشعبية في أمور شـتى من مجالات الفن والأدب والإبداع بصورة عامة. وهي مادة تتمتع بالخيال والفكرة والتشويق الشديد. وقد اسـتلهم منها الكتَّاب والمهتمون بالإبداع الكثير من الأفكار لصياغة وتشكيل إبداعاتهم في القصص والروايات والإنتاج التلفزيوني والإذاعي، حيث تم تبسـيط العديد من الحكايات وأعيد إخراجها بشكلٍ فني يتناسب مع التقنيات الفنية الجديدة والاعتبارات الاجتماعية والثقافية السائدة في المجتمع. وقد عرض كم وافر من الحكايات الشعبية على شاشة التلفزيون سواء كانت تلك الحكايات ذات طابع محلي أو عربي أو عالمي، وكان لعرضها تأثير مميز في جذب المشاهدين وشد انتباههم.


المسـرح والحكايات الشـعبية

يعتبر المسرح من أكثر الفنون الإنسانية إفادة من الموروث الشعبي، فهو منذ نشأته الأولى تعامل مع الحكاية الخرافية والأساطير الشعبية، لما تزخر به تلك الحكايات والأساطير من ملاحم بطولية ومواقف درامية، ثم صياغتها على النحو التراجيدي أو الكوميدي. وقد استفاد المسرح البحريني كثيرا من الحكايات الشعبية مثلما استفادت منه الفنون الإبداعية الأخرى. فعالم الحكايات واسع جدا ورحب الخيال، وهذه الحكايات لا تهدف إلى بعث البهجة في قلوب المتلقين فقط، بل تحاول أن تفسر عددا من الظواهر الاجتماعية والثقافية في المجتمع . كما تقدم رؤية نقدية للصفات غير المحببة في الإنسان، مثل الجشع والتسلط والقسوة والاحتيال والطمع. وهي من جانب آخر تبرز الصفات الحميدة مثل الشجاعة والكرم والتسامح والتواضع. وقد وفق المسرح البحريني كثيرا في عرضه للنماذج الشعبية من خلال النصوص المسرحية التي قدمت منذ بداية العشرينيات على مسارح المدارس والأندية الأهلية والمسارح المتخصصة فيما بعد. لكن المسرح البحريني لم يبدأ في تقديم عروضه المتميزة إلا مع بداية السبعينيات عندما تم تأسيس «مسرح الاتحاد الشعبي» (1970) و «مسرح أوال» و»مسـرح الجزيرة» (1973). وترافق مع هذه البدايات عرض الكثير من المسرحيات كان من ضمنها مسـرحية «سـرور» التي قدمت في عام 1975، من تأليف إبراهيم بوهندي وإخراج عبد الرحمن بركات. وهذه المسرحية مستوحاة من الحكاية الشعبية «سـرور» التي تعتبر من أكثر الحكايات انتشارا في الثقافة الشعبية على مستوى البحرين والخليج العربي. وتحكي عن الصراع الأزلي القائم بين عنصري الخير والشر، حيث تلعب زوجة الأب دور المرأة الشريرة التي تحاول بأبشع الطرق التخلص من ابن زوجها(سرور) بتقطيع أوصاله ودفنه في اصطبل الخيل. وتدخل قوى غيبية متمثلة في شخصية الأم الحقيقية المتوفاة ويأتي صوتها من العالم الآخر هاتفا بمكان اختفائه. فيستدل عليه ويعاد تجميع عظامه المتناثرة فتعود إليه الحياة، وينتقم من زوجة الأب شر انتقام حيث يطبخ لحمها في القدر ويرسله إلى بيت أهلها. وتنتهي الحكاية بقول القطة: ( كلو من لحم بنتهم وما عطوني منه)، وتردد هذه العبارة أكثر من مرة إلى أن يكتشف الأهل أنهم أكلوا من لحم ابنتهم. وبالرغم من بشاعة بعض الأحداث التي حوتها الحكاية خاصة في وقائعها الختامية إلا أن المسرحية تعاملت مع الحكاية بشكل يتماشى مع الواقع الاجتماعي والنفسي الذي كان يسود المجتمع في ذلك الوقت.


الحكايات الشعبية وأدب الأطفال

إذا كان للحكايات الشعبية تأثير راسخ وجلي في تأصيل الإبداع الفني والأدبي، فإن تأثير هذه الحكايات أكثر قوة ونفاذا في تأطير وتأسيس الأدب الموجه للصغار. ويعود الفضل إلى هذه الحكاية الموغلة في القدم في نشأة أدب الأطفال الذي نعاصره كقرّاء ومربين وكتَّاب، وهو ثمرة ونتاج طبيعي لما أبدعته مخيلة الشعوب من قصص وحكايات خرافية عبرت إلينا من أزمان عبرت إلينا من أزمان سـحيقة وما زال صداها يؤثر فينا.


القصص الشعبية ولماذا يحبها الأطفال

من الملاحظ أن الطفل لا يعرف بدقة سبب إعجابه بالقصة أو الحكاية التي يقرؤها أو التي تُروى له فقد تأسر لبه إحدى القصص فيطلبها المرة تلو الأخرى حتى يكل الراوي من الرواية. ومن المؤكد أن هناك أسبابا قوية تدفع الطفل لتفضيل هذا اللون من القصص دون غيره. ولعل أقوى تلك الأسباب وأهمها وجود الطابع الخيالي الرحب الذي يمتاز به الحكايات الشعبية. ومعروف أن الطفل في بداية حياته الأولى يسيطر عليه مبدأ ضعف ارتباطه بالواقع إلى جانب قلة تجاربه الحياتية. فعقله ومداركه الفكرية والوجدانية هي في طور التأسيس والتبلور، ولا غلو إن قلنا أن الطفل يشترك مع الفلاسفة في النظرة إلى العالم من نافذة (الدهشة)، فالطفل دائما مندهش وكثير الأسئلة. وينطلق الطفل في توجيهه لتلك الأسئلة من داخل نفسه، لأنه غير قادر على استيعاب الظواهر العديدة التي تجري أمام ناظريه، ولأن هناك مشاعر متداخلة ومتناقضة في داخله، لا يحسن التعبير عنها والبوح بها. والقصص والحكايات الشعبية تحاول تقديم الأجوبة للكثير من المشكلات التي يعاني منها الأطفال بلغة مختصرة وغير معقدة وبأسلوب شيق وممتع، فهي تتحدث عن الموت والحياة والشجاعة والخوف والصراع بين الخير والشر وكيفية بداية خلق الإنسان والحيوان. هكذا تحاول القصص الشعبية أن تطرح المشكلات الوجودية والنفسية.

وقد حاول كتَّاب أدب الأطفال في البحرين الإفادة من هذه القصص وتم توظيفها بالشكل الأدبي والفنِّي والتربوي. وهي محاولات صادقة للاقتراب من عالم الأطفال الواسع. وقد لاقى الكثير من تلك الأعمال النجاح خاصة في مجال المسرح والقصة، حيث أثبت الكتَّاب البحرينيون قدرة كبيرة على تلمس المشكلات الطفلية، وصياغة أعمالهم وإخراجها بلغة جميلة ذات رؤية فنية مؤثرة. ذلك يبدو واضحا من خلال الكتابات التي قدمها الكاتب عبد القادر عقيل في قصص «من سرق قلم ندى» (1977) و «الخيمة السوداء» (1980) و «الاتفاق» (1980) والكثير من القصص التي نشرها في المجلات المتخصصة بأدب الأطفال. وقدم الكاتب خلف أحمد خلف مجموعة من القصص والمسرحيات وهي «اللعبة» (1982) و «أجمل من قوس قزح» (1979) ومسرحية «العفريت» و «وطن الطائر» (1983) و«ثعلوب الحبوب» (1987) و «النخلة والأسد» (1987).

أما الكاتب إبراهيم بشمي، الذي يعتبر أكثر كتَّاب الأطفال غزارة في الإنتاج ، فقد ألف حوالي ست عشرة قصة من أهمها «العصفور الأعرج» و «سراطين البحر والجبانة» (1986) و «الزهرة الزرقاء» و «فرخ البط الخواف» (1986) و «جزيرة الطيور» (1986) و «النبع المسحور» (1986) و «اللؤلؤة السوداء» (1989) و «أجمل الحكايات» (1986). كما أسهم الكاتب إبراهيم سند بتأليف سبع قصص للأطفال مستوحاة من التراث الشعبي ، وهي «وطن النخلة» (1983) و «ماذا تمنت النملة أن تكون» (1984) و «الجزيرة الخضراء» (1986) و «لصوص الأوطان (1987) و «ما الذي يجعل سامي يجري» (1988) و «الولد الذي قال من أنا» (1989) . وقد حاول هؤلاء الكتَّاب كما قلنا توصيل العديد من القيم من خلال الإبداع القصصي والمسرحي وفق ما يتناسب مع احتياجات ومتطلبات المراحل العمرية للصغار، انطلاقا من أوسع الأبواب الثقافية وهو باب القصص والحكايات الشعبية.

العدد 2666 - الأربعاء 23 ديسمبر 2009م الموافق 06 محرم 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً