العدد 2666 - الأربعاء 23 ديسمبر 2009م الموافق 06 محرم 1431هـ

العمليات الزراعية التي تتطلبها النخلة

تتميز النخيل عن باقي الأشجار بالعمليات الزراعية التي تتطلبها والتي تعتبر ضرورية لنمو وإثمار النخيل وتحتاج هذه العمليات للمهارة والدقة من حيث الأداء وكذلك الدقة في التوقيت وقد ارتبطت هذه العمليات بمسميات ومصطلحات وأوقات معينة يجب أن تجرى فيها، كل هذا الكم من المعلومات أدى لتكون ثقافة خاصة بالنخلة. وحتى يقوم الفلاح بتلك العمليات فإنه بحاجة لأداتين مهمتين هما الكر والمنجل، إما المنجل فهو أداة حادة تستخدم للقطع وإما (الكر) فهو عبارة عن حبل متين يصنع من ليف النخيل أشبه بالحزام له جزء عريض ليّن يسند به الفلاح ظهره وقد عرفته العرب منذ القدم باسم (الكر) جاء في لسان العرب:

«الكَرُّ: حَبْلٌ يُصعَد به على النَّخْل، وَجَمْعُه كُرورٌ، وقال أبو عُبَيْد: لا يُسمَّى بذلك غَيْرُه من الحِبال. قال الأَزْهَرِيّ: وهكذا سَماعي من العرب في الكَرِّ. ويُسوَّى من حُرِّ اللِّيف».

أما العمليات الزراعية التي تتطلبها النخلة فهي الترويس والتنبيت والتحدير والخفاف والخراف والنفاض والصرام والتغليق، وتفصيل تلك العمليات كالتالي:

1 - الترويس

وهي عملية تقليم تجرى لإزالة السلاء من السعف لأنها حادة وتكون أحيانا كثيفة بحيث تمنع الوصول للأزهار أو الثمار. وتتم عملية الترويس في بداية الموسم وقبل إجراء عملية التلقيح، ويتم إزالة الأشواك باستخدام المنجل حيث يبدأ الفلاح بإزالة شريحة رفيعة من السعف تشمل السلاء من كلا جانبي السعفة مبتدئا من أعلى السعفة عند بداية السلاء ووصولا حتى قاعدة السعفة. وتشمل عملية الترويس إزالة ما قد يوجد من السعف الجاف أو العذوق اليابسة.

2 - التنبيت

اشتقت كلمة تنبيت من اسم (نبات) وهو الاسم العامي للأزهار المذكرة للنخلة أما الاسم العربي الفصيح للزهور المذكرة للنخلة فهو (السف)، وتسمي العامة حبوب اللقاح (الگُمح) أو (القُمح). ويقصد بالتنبيت عملية التلقيح الصناعي للنخلة أي نقل حبوب اللقاح من (النبات) أو (السف) أي الزهور المذكرة التي توجد في الفحال إلى (الطلع) أي الزهور المؤنثة التي توجد في النخلة. بالطبع يمكن أن يتم التلقيح طبيعيا بواسطة الرياح التي تحمل حبوب اللقاح الجافة الخفيفة من الذكور إلى الإناث القريبة منها، إلا أنه يراعى في هذه الحالة توفر عدد من الذكور مساويا لعدد الإناث أو بأقل تقدير نصف عدد الإناث بالإضافة لتوزيعها بصورة إستراتيجية بين النخيل، لذلك يعتبر التلقيح الطبيعي غير اقتصادي، وبما أن النجاح التام في إنتاج المحصول يتوقف على عملية التلقيح وإتمام الإخصاب فقد فطن الفلاح منذ زمن قديم لعملية التلقيح الصناعي، ولا نعلم بالتحديد متى بدأ ذلك، هناك زعم بوجود نقوشات آشورية توضح عملية التلقيح الصناعي إلا أن هناك آراء مضادة لها، وبالرجوع لكتاب ماريانا جيوفينو (Giovino 2007) فإن أقدم ذكر واضح لعملية التلقيح الصناعي ذكره الكتاب اليونانيين هيرودتس وثيوفراستوس وبليني وهي نفس الطرق التي تمارس حاليا.

وتتم عملية التلقيح الصناعي بعد تفتح طلع النخيل وخروج الشماريخ من غلافها حيث ينشق الكافور عنها ويكون ذلك في شهري فبراير/ شباط ومارس/ آذار بحسب الصنف حيث أن هناك أصناف مبكرة وأخرى متوسطة وأخرى متأخرة. ويمكننا تقسيم عملية التنبيت لقسمين: تحضير دقيق حبوب اللقاح وعملية التلقيح نفسها.

أ - تحضير دقيق حبوب اللقاح

يلجأ الفلاح في غالبية الأحيان لجمع حبوب اللقاح في إناء ضخم يكون بمثابة المخزن وذلك ليسهل عملية استعماله وكذلك ليتم تخزينه لتلقيح النخيل التي تتفتح أزهارها متأخرة. وفي سبيل جمع حبوب اللقاح يقوم الفلاح بقطع الزهور المذكرة أي السف في بداية تفتحها حيث ينشق عنها الكافور ويفضل أن تترك لفترة لتجف ولكن ليس في الشمس وبعدها يأخذ الفلاح (السف) ويزيل عنه الكافور بحيث تبقى شماريخ السف كلها متصلة بالقاعدة، بعدها يقوم بهز هذه الشماريخ داخل إناء فخاري والضرب عليه بمنجل أو قطعة من الخشب لكي تنزل حبوب اللقاح كلها، وبذلك تجمع حبوب اللقاح والتي تبدو داخل الإناء كالدقيق ذات لون أصفر شمعي، ويعرف محليا باسم (القمح).

ب - عملية التلقيح

يفضل أن تتم عملية التلقيح خلال 2 - 10 أيام بعد تفتح طلع النخلة، ولإجراء عملية التلقيح يقوم الفلاح بوضع قليل من حبوب اللقاح في قطعة قماش رقيقة ومسامية وتلف أطراف قطعة القماش حول قطعة من الخشب أو جريد النخيل بحيث يكون جزء منها ممتد حتى نهاية القماش ثم يربط القماش بإحكام حول قطعة الخشب فتكون حبوب اللقاح داخل القماش وتسمى هذه (صرار) أي صرة، وعندما يريد الفلاح تلقيح النخلة يأخذ هذه الصرة ويضرب بها الأزهار المؤنثة فتنطلق حبوب اللقاح متطايرة على شكل غبار لتستقر على الأزهار المؤنثة ثم تؤخذ 3 - 4 شماريخ من تلك التي سبق وأخذ منها حبوب اللقاح وتربط مع الأزهار المؤنثة باستخدام خوص النخيل بحيث تكون الشماريخ في وسط طلعة النخلة.

عندما يكون الفلاح يمتلك عدد بسيط من النخيل وتكون هناك كميات كافية من (السف) متوفرة يقوم الفلاح بأخذ عدد من شماريخ السف ويهزها على طلعة النخلة حيث تنطلق حبوب اللقاح كالغبار ثم يقوم الفلاح بربط هذه الشماريخ مع طلعة النخلة بخوص النخيل وذلك ليضمن تلقيح كل أزهار النخلة. يذكر الشايب في كتابه مثل شعبي يجمع بين (النبات) و(القمح) وهو «حط نبات ولا قُمح» وهو يقال في حالة الحث على إنجاح الشيء بتزويده بلوازمه مثلما تحتاج عملية تلقيح النخلة إما لجزء من النبات أو بنثر دقيق القمح.

3 - التحدير

في هذه العملية يقوم الفلاح بتدلية عذوق النخلة إلى الأسفل وتثبيتها وذلك بربطها في السعف، وتتم العملية بثني عرجون العذق ويقوسه بصورة بسيطة بحيث تصبح الشماريخ في كتلة واحدة أسفل سعف أي إلى آخر خط من السعف بعدها يربط العرجون بسعفة في الصف الأخير أو ما قبل الأخير من السعف وتبقى الشماريخ كلها متدلية بموازاة القمة، كذلك توزع العذوق على مسافات منتظمة مكونة حلقة تحيط بقمة النخلة، بذلك تبقى العذوق مدلاة ثابتة لا تتحرك بسهولة مع الرياح. وتعتبر هذه العملية مهمة فعندما يتم العقد وتبدأ الثمار في النمو ويكبر حجمها تصبح شماريخ العذق ثقيلة وتتدلى ولاسيما أن قاعدة العذق أو العرجون تكون قائمة منتصبة إلى أعلى وبذلك تكون الشماريخ الثقيلة سائبة تتلاعب بها الرياح وقد يؤدي ذلك لانكسارها، كما أن بقاء العذوق بدون تثبيت يجعل الشماريخ مبعثرة وسط القمة النامية للنخلة بين السعف والكرب. وتتم عملية التحدير بعد شهرين من التلقيح تقريبا أي في مرحلة الخلال في الشهرين أبريل/ نيسان ومايو/ أيار.

4 - الخفاف

الخفاف أو الخف هي عملية مصاحبة لعملية التحدير ففي نفس الوقت الذي تتم فيه عملية التحدير تتم أيضا عملية الخفاف والتي يتم فيها التخفيف من ثمار النخلة، ففي أحيان كثيرة تكون ثمار النخلة غزيرة جدا لدرجة يخشى على النخلة من ثقل الثمار أو إجهادها فتكون قليلة الإثمار في السنة القادمة لذلك يقوم الفلاح بتخفيف ثمار النخلة وذلك بقطع بعض العذوق خاصة الضعيفة منها وكذلك يتم قطع ما قد يكون مصابا أو مكسورا والتي لا يرجى منها ثمر. تتيح عملية الخف كذلك للنخلة أن تعطي ثمار كبيرة وجيدة النوعية لأن الغذاء سيوزع على عدد أقل من الثمار.

5 - الخراف والنفاض والصرام

هي ثلاث عمليات لجمع ثمار النخلة عندما ينضج أي عندما يصبح البسر رطبا وثلاث العمليات وردت بنفس الاسم في معاجم اللغة العربية. فأما الخراف فهي عملية جني الرطب الطازج وذلك بتسلق النخلة وقطف الرطب، وعادة ما يجمع الرطب في وعاء يسمى المخرفة (ذكرت في المعاجم العربية باسم المخرف) وهي سلة ذات ثقوب كبيرة مصنوعة من عراجين العذوق. وأما النفاض فهو أن يوضع العذق وهو مثبت في النخلة داخل سلة كبيرة تسمى منفاض (ذكر في المعاجم باسم منفض) ثم يهز العذق بقوة (أي ينفض) فتتساقط الثمار داخل المنفاض. وأما الصرام فهي عملية قطع عذوق النخلة قبل أن يكتمل نضج كل الثمار فيها.

الجدير بالذكر أن ليس كل النخيل ينضج ثمارها في وقت واحد فهناك أصناف من النخيل تعرف باسم المبكرة وهي التي تنضج ثمارها بداية الموسم أي في شهري يونيو/ حزيران ويوليو/ تموز ومن تلك الأصناف المبكرة المشهورة المواجي. وهناك أصناف متوسطة تنضج في أغسطس/ آب كالمرزبان مثلا، وهناك أصناف متأخرة تنضج في الشهور اللاحقة ومن تلك الأصناف خصبة العصفور الذي يبدأ تسويقه خلال شهري سبتمبر/ أيلول وأكتوبر/ تشرين الأول وقد يستمر حتى شهري نوفمبر/ تشرين الثاني وديسمبر/ كانون الأول بحسب الظروف.

5 - التغليق

وهي عملية تقليم النخلة في نهاية الموسم حيث يتم إزالة العذوق الجافة المتبقية بعد إزالة الثمار منها وكذلك إزالة السعف الجاف وكذلك كرب السعف المتبقية بعد أن قطعت السعف عنها وذلك خلال عمليات الترويس والتحدير.


إنضاج الثمار صناعيا

وهي طرق قد يلجأ لها بعض المزارعين لإنضاج الثمار صناعيا وذلك لاستباق الموسم والحصول على أسعار أعلى، ومن أهم تلك الطرق المتبعة في إنضاج الثمار هي التشديخ والذبال والخمال.

أ - التشديخ

تجمع ثمار النخيل بعد أن يتغير لونها أي تتحول لبسر وتنشر على حصير أو سمة ثم تضرب بسعف النخيل بعد تقطيع خوص السعف إلى شرائط ويتواصل ضرب الثمار حتى يجرح سطحها بصورة خفيفة ويترك في الشمس لفترة ثم يجمع في أكياس مصنوعة من الليف (خياش) ويدفن في الأرض المكشوفة الحارة ويستخرج في اليوم التالي، إلا أن البسر الذي ينضج بهذه الطريقة تكون حلاوته قليلة لأن النضج الطبيعي يكون مصاحبا له تغيرات كيميائية تزيد من نسبة السكريات التي تعطي الرطب طعما أكثر حلاوة. ومن الأنواع التي تنضج بهذه الطريقة هو المواجي وهو من الأصناف المبكرة التي تنضج في أول الموسم.

ب - الذبال

وفي هذه الطريقة تجمع الثمار وتنشر فوق الحصير أو السمة تحت أشعة الشمس لمدة يومين حتى ينضج ويصبح رطبا وتتبع هذه الطريقة مع صنف الخنيزي.

ج - الخمال

وفي هذه الطريقة تغمر الثمار في إناء بالماء المغلي المضاف له الملح ويحكم غلق الإناء حتى اليوم التالي تصبح بعدها الثمار ناضجة، إلا أن هذه الطريقة غير شائعة حاليا وربما تركت كليا وذلك أنها قد تؤدي إلى تلوث الثمار وأحيانا تعفنها بسرعة. ومن الأصناف التي كانت تنضج بهذه الطريقة الخنيزي.


صناعة التمر

تتم عملية تحول الرطب إلى تمر بصورة طبيعية إذا تركت على النخلة ولم تقطف إلا أن الظروف الجوية تلعب دورا مهما في سرعة التحول وفي نوعية التمر المتكون حيث يتطلب الأمر جوا حارا جافا لإتمام عملية التحول إما الجو الرطب فيتسبب في تلف الرطب وتعفنها وتساقطها وعليه كان لابد على الفلاح أن يتدخل ليضمن الحصول على تمر ذي جودة عالية. فيقوم الفلاح بجمع الرطب المكتمل النضج وينشره في مكان خاص على بساط خاص والطريقة ذاتها معروفة منذ القدم فالألفاظ المحلية ذاتها وردت في معاجم اللغة. أما البساط فيسمى (السمة) وهي حصير ضخمة مصنوعة من الخوص وكذلك العرب استخدموا البساط ذاته بنفس الاسم أما المكان الذي يجمع فيه الرطب فقد كانت تسميه العرب في هجر والبحرين باسم (الفداء) وهو تسمية خاصة بقبيلة عبد قيس، وقد بقيت الكلمة ذاتها أي الفداء ليومنا هذا إلا أن العامة تنطقها بالتخفيف فتقول (الفدى). وللفداء أسماء أخرى يعرف بها في مناطق مختلفة من الخليج العربي. ويتم نشر الرطب على السمة بطبقة خفيفة بحيث لا يتكدس على بعضه البعض. وقديما كان الرطب الذي يتمر يجمع في أوعية مصموعة من خوص النخيل تسمى الگلة أي الجلة والكبيرة تسمى (الخصفة) وكلا التسميتين المحليتين وردت في كتب اللغة وتم تخصيص الاسم (خصفة) بمنطقة البحرين فقط وعبارة المخصص لابن سيده هي « والخصف: الجلال البحرانية واحدتها خصفة أبوحنيفة الخصفة: الجلة العظيمة التي تكون عدلا والجمع خصاف». وتأتي كلمة خصفة عند العامة بنفس معنى السمة أي الحصير الكبير وهي كذلك في الفصحى أيضا.

العدد 2666 - الأربعاء 23 ديسمبر 2009م الموافق 06 محرم 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً