عكس الترحيب الأميركي بالقرار الذي تبنته الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن البرنامج النووي الإيراني فوز الجناح البراغماتي في حكومة الرئيس الأميركي جورج بوش ممثلا في وزير الخارجية كولن باول في النقاشات الدائرة في واشنطن بشأن الطريقة التي يجب التعامل فيها مع إيران، إذ وافقت الولايات المتحدة في أعقاب مناقشات مكثفة دامت خمسة أيام بين دبلوماسيين من فرنسا وألمانيا وبريطانيا مع دبلوماسيين أميركيين في فيينا على تضمين القرار إدانة إيران تطويرها برنامجا نوويا ولكن عدم تضمين القرار الطلب إلى إيران بوجوب التوقف عن ذلك في يوم كذا، كما وافقت الولايات المتحدة على عدم نقل الملف الإيراني إلى مجلس الأمن لبحث فرض عقوبات على إيران. الأمر الذي فسره مراقبون بأنه أفشل محاولة اليمين الأميركي المتطرف ممثلا في المحافظين الجدد في وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) وامتداداتهم داخل وزارة الخارجية، من افتعال أزمة مع إيران على غرار أزمة العراق تقود إلى شن الولايات المتحدة حربا داخل إيران.
ونقلت مصادر مطلعة عن مساعد وزير الخارجية الأميركي لضبط الأسلحة ستيفن ريدميكر المحسوب على اليمين المتطرف في إدارة بوش اتهامه الإيرانيين بالكذب طيلة سنوات بشأن نيتهم ومقدرتهم على صنع أسلحة نووية. وقال: «إنهم يقولون الآن انهم سيقولون الحقيقة، والتوقف عن الحصول على أسلحة نووية. فلماذا يتعين علينا تصديقهم بعد كل تلك الأكاذيب؟ لنكن صارمين معهم».
وكان ريدميكر يردد صدى وجهات نظر رئيسه وكيل وزارة الخارجية الأميركية لضبط الأسلحة جون بولتون، الذي رد على تصريح المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي بأنه لا يوجد دليل على أن إيران تتابع الآن برنامج أسلحة نووية، بالقول «ببساطة من المستحيل تصديقه». ورفض بولتون الجهد الأوروبي الذي أسفر عن وعد من إيران بالتوقف عن الجهود النووية والسماح بتفتيش كامل لمنشآتها النووية باعتباره موقفا غير مقبول يعبر عن «موقف العصا والجزرة». وقال بولتون. «إنني لا أتعامل بالجزر» وهو أمر دفع مراقبين إلى القول ان أسلوب بولتون الوحيد في ضبط أسلحة الدمار الشامل يبدو أنه «العصي والحجارة والقنابل». ويذكر أنه سبق لبولتون: القول «إنه لخطأ كبير بالنسبة إلينا إعطاء أي شرعية للقانون الدولي».
وقال مصدر سياسي في واشنطن ان موقف البيت الأبيض من إيران يبدو أكثر اعتدالا من موقف بولتون، وهو أكثر رغبة في قبول وعود من إيران بالانفتاح في المستقبل وضبط النفس.
وطبقا لما ذكرته مصادر كثيرة من فيينا فإن المفاوضين الأميركيين تراجعوا قليلا عن مطالبهم المتشددة، فنائب وزير الخارجية الأميركي ريتشارد أرميتاج قال علنا: ان الولايات المتحدة تتطلع إلى حل وسط، في وقت يطالب المتطرفون في حكومة بوش بصياغة أكثر تشددا. فالمحافظون الجدد في حكومة بوش لا يتخلون عن القتال والبراغماتيون لا يستطيعون مقاومتهم في كل قضية وربما يكون البراغماتيون يحتفظون برأس مالهم السياسي لإفشال حرب محتملة أكثر ضد سورية. وربما يعتقدون ان «المحافظين الجدد» لن يفكروا جديا في شن حرب ضد إيران الضخمة والجبلية في وقت يتعثر فيه المشروع الأميركي الاحتلالي في العراق.
غير أن محللين يعتقدون أن ذلك محض تفاؤل. فقد صرح بولتون في وقت سابق بأنه إذا كان عشرة آلاف مدني عراقي قتلوا في الحرب التي تشنها الولايات المتحدة على العراق فهو رقم «منخفض تماما، فهو الحد الأدنى الممكن في الحرب العصرية»، وبعد غزو العراق أبلغ بولتون إذاعة «سوا» الأميركية الناطقة بالعربية أن العراق يجب أن يكون «درسا مهما لبلدان أخرى في المنطقة، وخصوصا سورية وليبيا وإيران» وقد أبدى الموقف نفسه لدى زيارته الكيان الصهيوني في شهر فبراير/ شباط الماضي إذ وعد بأنه حالما يهزم العراق «فسيكون من الضروري التعامل مع تهديدات من سورية وإيران وكوريا الشمالية بعد ذلك».
ويرى محللون أن حكومة بوش يمكن لها أن تستغل أي تلكؤ إيراني مع مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية في حال رغبتها تصعيد الموقف مرة أخرى ضد إيران، وخصوصا أن الحكومة الإسرائيلية تواصل ممارسة أشد الضغوط ضد إيران. فعقب اجتماع وزير الحرب الإسرائيلي شاؤل موفاز مع كبار المسئولين في حكومة بوش خلال زيارته واشنطن في وقت سابق من الشهر الجاري قال: «إن الأمر يحتاج إلى جهود لتأخير ولوقف ولمنع البرنامج النووي الإيراني». كما ذكرت مجلة «ديرشبيغل الألمانية» أن لدى الكيان الصهيوني خططا لتدمير ستة مفاعلات نووية إيرانية كما دمرت المفاعل النووي العراقي في العام 1981.
وفي إطار التحالف الوثيق بين المحافظين الجدد الذين في معظمهم من اليهود الصهاينة وبين تكتل الليكود الحاكم في تل أبيب، فقد يجادل المحافظون الجدد في أن من الأسلم للولايات المتحدة أن تقوم بالمهمة بدلا من أن تترك الإسرائيليين يهاجمون إيران. وإذا ما تغلب هذا الرأي فسيكون هناك «عراق آخر» ويعزز هذا الرأي دفاع بعض وسائل الإعلام الأميركية عن موقف «صقور» حكومة بوش، كما فعلت صحيفة «واشنطن بوست» في إحدى افتتاحياتها أخيرا فيما تواصل بعض مراكز الأبحاث اليمينية الأميركية وضع المبررات للتدخل في الشئون الداخلية الإيرانية وتنفيذ سياسة «تغيير النظام» في طهران. وفي مقدمة هذه المراكز معهد أميركان انتربرايز الذي يعتبر معقل المحافظين الجدد، في ندوة عقدت بهذا الشأن في وقت سابق من الشهر الجاري
العدد 449 - الجمعة 28 نوفمبر 2003م الموافق 03 شوال 1424هـ