العدد 448 - الخميس 27 نوفمبر 2003م الموافق 02 شوال 1424هـ

الجديد في القضية الفلسطينية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

الاستراتيجية الأميركية/ هجومية/ انقلابية. وهناك نوع من عسكرة السياسة والدفع قسرا إلى تحقيق أهداف سياسية بوسائل عسكرية.

بدأت الاستراتيجية قبل هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001. ولكنها أخذت لنفسها شرعية دولية بعد تلك الحوادث وتذرعت بها للهجوم على مناطق ترى فيها واشنطن مراكز حساسة في مواقعها الاستراتيجية وتملك قدرات وثروات طبيعية تحتاجها الولايات المتحدة في صراعها الدولي مع القوى المنافسة مستقبلا لنفوذها.

لا شك في أن ما يسمى بدائرة «الشرق الأوسط» كانت الهدف الأول والمباشر لذاك الهجوم.

آنذاك كانت إدارة البيت الأبيض فرغت من إعادة تعريف مفهوم «الشرق الأوسط». فالكلمة جغرافية ولكنها قابلة للتعديل والتوسيع. فضمت الدائرة دول الشرق الأدنى ثم دول آسيا الوسطى التي خرجت توها من دائرة الاتحاد السوفياتي.

هذه المنطقة الشاسعة أعيد تعريفها في تسعينات القرن الماضي وتوسعت دائرتها لتشمل كل الدول الواقعة من غرب الهند (باكستان وأفغانستان) وصولا إلى سورية ولبنان وفلسطين ومصر وتركيا.

ووضعت كل هذه الدول في دائرة منطقة واحدة وبدأ الهجوم على أساس أنها كتلة جغرافية - تاريخية واحدة يجمعها عنوان مشترك هو: الإرهاب.

وتحت شعار مكافحة الإرهاب بدأ الهجوم الأميركي الكبير لتطويق المنطقة وعزلها عن النفوذين الروسي والأوروبي.

وذلك للأسباب الآتية:

أولا، وقوعها في منطقة الوسط بين الشرق والغرب.

ثانيا، وجود نوع من الفراغ الأمني في دول آسيا الوسطى التي استقلت حديثا عن موسكو.

ثالثا، تحكم المنطقة بالمعابر الجغرافية الحساسة (قنوات، خطوط إمداد، ثروات طبيعية).

رابعا، قيام أنظمة حكم مستقرة حققت بعض التنمية وأخذت تتجه نحو تأسيس قواعد تقنية للإنتاج والتصنيع العسكري.

استغلت أميركا ضربة 11 سبتمبر لتنفيذ مشروع استراتيجي كبير يبدأ في هذه الدائرة وينتقل إلى غيرها.

ولتحقيق تلك الأهداف طرحت «البنتاغون» سلسلة شعارات خطيرة من نوع:

- الضربة الاستباقية.

- الحروب الدائمة.

- تغيير الأنظمة عن طريق القوة.

واشترطت واشنطن على العالم أن يحدد موقفه من حربها إما معنا وإما ضدنا، ورفضت مواقف الحياد أو الوسط أو التوفيق.

كان من الطبيعي أن تدرك كل الدول العربية والمسلمة أنها مستهدفة من هذه الحملة الأميركية. بينما وجدت «إسرائيل» في المشروع الأميركي مناسبة لتجديد أطماعها وعدوانها ورفض كل الاتفاقات والالتزامات التي اضطرت سابقا إلى توقيعها في عهد الرئيس بيل كلينتون.

وتحت غطاء هذه المظلة الأميركية الكبيرة تحركت «إسرائيل» لتأخذ حصتها من الغنيمة وبدأت تنفذ سياساتها التي اضطرت إلى تجميدها لمدة شهور وباشرت في السير باتجاه اقتلاع السلطة الوطنية الفلسطينية وإزاحة عرفات بذريعة أنه رئيس يدعم الإرهاب ويؤسس أجهزة أمنية خاصة به لتهديد أمن «إسرائيل».

إذا، حددت «إسرائيل» حصتها السياسية من الغنيمة مستفيدة من الخلل الاستراتيجي الذي أحدثته الهجمة الأميركية من أفغانستان شرقا إلى العراق غربا. فأميركا الآن تطوق إيران من كابول إلى بغداد، وكذلك نجحت قواتها في العراق في فصل سورية عن إيران، الأمر الذي أعطى أفضلية عسكرية لتل أبيب وزاد من تهديدها لأمن دمشق واستقرار المنطقة.

إلى ذلك بدأت «إسرائيل» ببناء جدار الفصل العنصري في داخل أراضي الضفة الغربية. كذلك وسعت دائرة مستوطناتها التي سبق ووعدت بتفكيكها. كذلك اتخذت سلسلة قرارات ببناء مستوطنات «عشوائية» جديدة في طول الضفة الغربية وعرضها. ولجأت إلى تهديد عرفات بقتله أو طرده وكررت احتلالها للمدن الفلسطينية لإنهاك اقتصادها وتحطيم أسسها التحتية، تمهيدا لاتخاذ قرار خطير حين تأتي الساعة، وهي ترحيل جزء كبير من الفلسطينيين إلى الأردن أو مناطق عربية أخرى.

المشروع الإسرائيلي هو مشروع مفتعل ومصطنع ومرتب بقرارات خارجية بدأت بريطانيا بتنفيذها في مطلع القرن الماضي واستمرت «الدولة» تعتمد دائما على توازنات دولية لضمان أمنها وتعزيز نفوذها الإقليمي مستفيدة من الضعف العربي وعدم اجتماع دول المنطقة على مواقف موحدة تربط مصيرها الواحد بأهدافها المشتركة.

النقطة الجديدة في الصراع الفلسطيني الآن هي تطور المواجهة العربية - الأميركية من السياسة إلى الحرب. وبعد أن كانت الولايات المتحدة تستفيد سابقا من الصراع العربي - الإسرائيلي للحفاظ على نفوذها وإبقاء دورها الدبلوماسي في صورة المعادلة... أخذت «إسرائيل» تستفيد من الصراع العربي - الأميركي محاولة اقتناص اللحظة التاريخية لتمرير أكبر كمية من مطالبها في سياق استغلالها السياسي للكوارث التي تلحقها واشنطن بدول المنطقة.

القضية الفلسطينية الآن، وهذا هو الجديد، ارتبطت سياسيا باستراتيجية أميركية كبرى تمتد من أفغانستان إلى مصر.

واشنطن سابقا بذلت الكثير من الجهود لفصل الموضوع الفلسطيني عن المشروع العربي ومنعت الدول العربية من التدخل في القضية بذريعة أنها مسألة فلسطينية ولا صلة لها بالشئون العربية والإسلامية.

بعد أن حققت الفصل (اتفاقات أوسلو وواشنطن) بدأت أميركا الآن عملية إعادة الربط ولكن ليس بالمشروع العربي - الإسلامي وإنما بالاستراتيجية الأميركية الشاملة. وهذه الاستراتيجية لا ترى في الموضوع الفلسطيني خصوصية محددة وإنما مجرد وضع إرهابي يجب معالجته بالأسلوب الذي اتبع في أفغانستان أو استخدم في العراق.

هذه الأفكار الأميركية تحول القضية من موضوع سياسي - تاريخي مضى عليه نصف قرن من الصراع وصدرت بشأنه عشرات القرارات الدولية التي رفضت «إسرائيل» تطبيقها بدعم أميركي إلى موضوع لا خصوصية له بل هو مجرد ساحة من ساحات الحرب الأميركية ضد الإرهاب. وبهذا المعنى يصبح عرفات مجرد رئيس إرهابي و«إسرائيل» دولة توافقت مصالحها مع مصالح أميركا في مكافحة الإرهاب وعلى رأسه عرفات في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وفي هذا الإطار نفهم معنى دعوة بوش في خطابه الأخير في لندن دول أوروبا إلى وقف دعمها لعرفات وسحب الغطاء السياسي عنه. فمن يدعم عرفات، برأي بوش، هو ضد أميركا وليس معها كما تقول النظرية الثنائية التي ابتكرت بعد 11 سبتمبر. ومن لا يحارب عرفات، برأي بوش، يشجع ضمنا الإرهاب، وهذا لا يناسب الاستراتيجية الأميركية التي ترى أن هناك منطقا مشتركا يجمع دائرة «الشرق الأوسط» في مفهومها الجديد وهو وجود شبكات إرهابية واحدة وممتدة من كابول إلى بغداد وصولا إلى رام الله.

هذا هو المنطق المجنون (الجديد) في الاستراتيجية الأميركية فلسطينيا وعربيا وإسلاميا. وبقي علينا أخيرا أن نصدق أو لا نصدق.

المقال كلمة ألقيت في ندوة «المجلس الثقافي الشبابي» في المالكية بمناسبة «يوم القدس العالمي» وشارك فيها رئيس «جمعية مقاومة التطبيع» إبراهيم كمال الدين

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 448 - الخميس 27 نوفمبر 2003م الموافق 02 شوال 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً