صعدت الإدارة الأميركية الإجراءات المقيدة للحريات المدنية التي بدأتها في أعقاب هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001. فقد أقرت لجنة مشتركة من مجلسي النواب والشيوخ الأسبوع الماضي نصا في مشروع قانون تفويض المخابرات للعام 2004 بناء على توصية الإدارة من شأنه أن يسمح لمكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) أن يطلع على سجلات الشركات من دون موافقة السلطات القضائية، إذا اعتبر المكتب أن هذه السجلات متصلة بتحقيقات مكافحة الإرهاب. ويرى مدافعون عن الحقوق المدنية في الولايات المتحدة أن هذا الإجراء سيزيد من سلطات أجهزة الأمن الأميركية لضبط السجلات من المصارف واتحاد التسليف (كريديت يونيونز) والمتعاملين بالسندات وتبادل العملات ووكالات السفر والمتعاملين في شراء وبيع السيارات ومكاتب البريد وصالات القمار والأندية الليلية والمراهنين وأي أعمال أخرى يكون لديها طبقا لما تراه الإدارة الأميركية «درجة كبيرة من الفائدة في أمور جنائية وضرائبية وتنظيمية، وإن عمليات ضبط هذه السجلات يمكن أن تنفذ من دون موافقة الجهات القضائية في الإدارة».
وأقر مجلس النواب مشروع القانون بأكثرية 263 مقابل 163 صوتا، وينتظر أن يقر مجلس الشيوخ مشروع القانون قريبا. ويذكر أن المصارف واتحادات التسليف المالي وغيرها من المؤسسات المالية أرغمت على تسليم السجلات بناء على طلب الـ «إف بي آي».
وتزامن مع موافقة الكونغرس على هذه الإجراءات الكشف عن قيام مكتب التحقيقات الفيدرالي بجمع معلومات مكثفة عن التاكتيكات والتدريب والتنظيم للمنظمات والهيئات المناهضة للحرب على العراق والمظاهرات التي تقوم بها في الولايات المتحدة. وطلبت الـ «إف بي آي» من سلطات الأمن المحلية تقديم تقارير عن «أنشطة مشبوهة خلال الاحتجاجات» إلى فرقها المسئولة عن مكافحة الإرهاب. وتقول المذكرة التي أرسلها مكتب التحقيقات الفيدرالي إلى سلطات الأمن المحلية في الكثير من الولايات الأميركية الشهر الماضي قبيل المظاهرات المناهضة للحرب على العراق في واشنطن وسان فرانسيسكو.
وقال الاتحاد الأميركي للحريات المدنية أن موافقة مجلس النواب مخيبة للآمال، معربا عن ارتياحه أيضا لأن عددا من أعضاء الكونغرس من الحزبين الجمهوري والديمقراطي قرروا معا معارضة مشروع القانون لأنهم يعارضون النص المتعلق بالسجلات الذي اكتشف أن المساعدين في الكونغرس هم الذين أدرجوه في مشروع القانون.
ولوحظ لدى إقرار مجلس النواب لمشروع القانون الخميس الماضي ابتعاد الكثير من الجمهوريين المحافظين عن حظيرة الإدارة الأميركية. وقال المستشار التشريعي لاتحاد الحريات المدنية تيموثي أدغار «إن توسيع قانون الوطنية كان هو الجزء المثير للجدل فقط من هذا التشريع. وقد دفع أكثر من ثلث أعضاء مجلس النواب بمن فيهم 15 من الجمهوريين المحافظين لكي يغيروا ما بدا أنه عملية تصويت سهلة إلى عملية تنطوي على جدل وتنافس حقا». وأضاف أن المرء لا يحتاج إلى أكثر من النظر على عملية التصويت ليحصل على مقياس فعلي لقانون الوطنية وافتقاره إلى الشعبية في الكونغرس وفي أوساط الشعب الأميركي.
ويرى ائتلاف غير عادي من الجماعات والمنظمات الليبرالية واليسارية اليمينية في الولايات المتحدة أن توسيع قانون المراقبة الحكومية وسلطات التحقيق يهدد الحريات الشخصية الخصوصية والحقوق المدنية. وأن أكثر من 200 إدارة محلية بما في ذلك مجالس أكبر المدن الأميركية اتخذت قرارات تؤيد فيها التمتع الكامل بالحقوق التي يتضمنها الدستور الأميركي وحثت على تضييق نطاق «قانون الوطنية» الذي أقره الكونغرس في 26 أكتوبر/ تشرين الأول 2001، فيما كانت اللجنة القضائية في مجلس الشيوخ تعقد سلسلة من جلسات الاستماع المهمة خلال الشهر الماضي عن تأثيرات هذا القانون. وأرسل أعضاء من اللجنة بمن فيهم رئيسها الجمهوري لاري كريغ وخمسة من الديمقراطيين رسالة إلى اجتماع اللجنة يحثون فيها بأن يقتطع النص الجديد من مشروع قانون المخابرات حتى يمكن بحثه في لجنتهم في جلسات استماع علنية. فالنص لم يناقش علنا قط. وقال عضو مجلس الشيوخ ريتشارد دوربين، الذي حاول الحد من النص الجديد «إنني قلق من هذا النص، وإن فكرة توسيع سلطات الحكومة تعطي لأي كان فرصة الانتظار والتأمل إلا الزعامة الجمهورية».
ويحذر المدافعون عن الحريات المدنية من أن منح الـ «إف بي آي» هذه السلطات قد تؤدي به إلى استخدامها في قضايا لا تتعلق بمكافحة الإرهاب، بل بجمع أدلة ضد أهداف أخرى للتحقيقات. ويمنع النص الجديد الشركات التي تسلم سجلاتها لسلطات الأمن الأميركية، من إبلاغ زبائنها بشأن مصادرة السجلات
العدد 447 - الأربعاء 26 نوفمبر 2003م الموافق 01 شوال 1424هـ