عشرات القتلى والجرحى سقطوا في تفجيرات هزت مجمع «المحيا» السعودي في الرياض، وقريبا منهم، كان عدد الذين سقطوا في تفجير معبدين يهوديين في اسطنبول التركية. وبعد هاتين العمليتين، حدث حريق «متعمد» في مدرسة يهودية في فرنسا، والحوادث الثلاثة لها مدلول واحد، أساسه الظاهر امتداد «أعمال الإرهاب» إلى انحاء مختلفة من العالم، وذهابها باتجاه عمليات قتل الأبرياء، وإثارة الفوضى، وتعميق للتناقضات وتطوير للصراعات. لكن المدلول الأعمق لهذه الحوادث وما يماثلها من «أعمال إرهاب»، انها تعطي ذرائع ومبررات لعمليات إرهابية من نوع آخر، ومستوى آخر، هو إرهاب الدولة الذي تمارسه «إسرائيل» ضد الفلسطينيين، وتتابع الولايات المتحدة القيام به في العالم، لكن أهم تجلياته يتجسد اليوم في العراق المحتل، إذ تتابع آلة الحرب الأميركية، بمعونة بريطانية، إخضاع وإرهاب العراقيين، وثنيهم عن السعي إلى التحرر من الاحتلال وبناء دولة حديثة ومعاصرة، وهي أهداف تتقارب مع مساعي الفلسطينيين من أجل دحر الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.
ولا شك في ان بين حوادث الإرهاب، التي تتابعها في الظلام جماعات منظمة وربما أجهزة استخبارات دولية، وبين الأعمال الارهابية الواسعة التي تتابعها جيوش لدول مثل «إسرائيل» والولايات المتحدة، علاقة وثيقة، إذ تتخذ كل واحدة من الأخرى مبررا لقيامها، فيقال ان التفجيرات انما توجه إلى «أهداف» ترتبط بالسياستين الأميركية والإسرائيلية، وما يتصل بهما من سياسات محلية على نحو ما حدث في تفجير مبنى الأمم المتحدة في العراق، وهو ادعاء يماثل ادعاءات «إسرائيل» والولايات المتحدة، بأن عمليات قواتهما إنما هدفها القضاء على الإرهاب. لكن واقع الحال فيما تقوم به القوات الأميركية والإسرائيلية، ان العمليات توجه إلى المدنيين الأبرياء، وإلى البنى التحتية البسيطة التي تخدم حياتهم المأسوية على نحو ما يحصل في قطاع غزة وفي العراق. وكما هو واضح، فإن النتيجة واحدة، قتل ودمار، وإعطاء لمبررات غير حقيقية لحال الخراب والفوضى والمخاوف التي تلف العالم، وتستفيد منها الولايات المتحدة وحلفاؤها الأقربون من أجل إحكام قبضة القوة على العالم تأمينا لمصالحها.
وواقع الحال في عالم اليوم، يدفع إلى مسعى حقيقي إلى الخروج من تحت سقف الإرهاب الذي يديره ويمارسه متطرفون رسميون من رموز اليمين الأميركي المحافظ، أو من «الليكود» الإسرائيلي، إضافة إلى عناصر «ظلامية» ومنظمة، كما عناصر منظمة «القاعدة» وجماعات أخرى. وخروج العالم من تحت سقف الإرهاب، سيدفعه إلى الاتجاه نحو مواجهة التحديات الحقيقية المطروحة على عالم اليوم بدوله وشعوبه، وخصوصا مواجهة الفقر والمرض وتحديات الديمقراطية، ومعالجة انتهاكات حقوق النساء والاطفال. وبانتظار أن يخرج العالم من تحت سقف الإرهاب، ينبغي التركيز على إدانته بغض النظر عمن يمارسه، وبعيدا عن الذرائع المطروحة لتبريره، ذلك أن الإنسان في كل الحالات ضحية الإرهاب!
العدد 447 - الأربعاء 26 نوفمبر 2003م الموافق 01 شوال 1424هـ