إن ما حدث في المجلس النيابي أخيرا من خلاف ارتفعت فيه أصوات البعض واستخدم أحد الزملاء وصف ما جرى (بالهوشه) ليس بدعة في المجالس النيابية في العالم بل هو أمر طبيعي وإيجابي للغاية لأنه يكشف عن أخطاء قد تحدث وأعصاب قد تنفلت. لكن أكثر إيجابية من كل هذا وذاك أن يعود الزملاء الأعضاء إلى مقاعدهم سالمين وقد هدأت أعصابهم بعد أن يعتذر زميلهم عن أن طرحه كان متسرعا وجل من لا يخطئ في تصرفاته. فالجميع غير معصوم من الخطأ في بعض الأحيان سواء الذي طرح رأيا استنكره عليه معظم زملائه بمن فيهم عناصر في التكتلات القريبة إلى فكره ورؤاه بما يشبه اتفاق الجمهوريين والديمقراطيين في الكونغرس الأميركي على رغم خصومتهما على قضية ما.
وقد نقلت لنا الفضائيات معارك صاخبة للبرلمان وشجارا حقيقيا حتى تطايرت فيها الكراسي وتحولت إلى ساحة للملاكمة خصوصا في جنوب شرق آسيا لكن ذلك لا يعني الحقد الشخصي أو الخلاف من أجل الخلاف بل من أجل اختلاف الرؤى على المصالح الوطنية.
وحتى ما حدث في المجلس عندنا كان له جذور سابقة من بينها فيما أذكر ذلك الصدام الساخن الذي حدث بين الكتلة الدينية في المجلس الوطني في العام 1973 الذي يعتبره الكثيرون حتى الآن (عتيج الصوف ولا جديد البريسم) عندما احتدت المعركة بين رئيس المجلس جواد الجشي أطال الله في عمره وشفاه وبين الدينيين حتى بلغ درجة أن رمى أحدهم بمنفضة السجائر التي أمامه على الرئيس ما دعا إلى إيقاف الاجتماع لاستراحة يتم خلالها ترتيب الموقف والتوصل إلى حل. وأذكر إن لم تخني الذاكرة أن الشيخ عيسى قاسم عاد ليعتذر عما بدر منه وقال: «إنني أكبر على نفسي أن يصدر مني مثل هذا الخطأ وأعتذر عما بدر مني تجاه رئيسي». وانتهى الخلاف وعاد الصفاء كما كان وعاد المجلس ليطرح القضايا الجادة التي يجب أن يطرحها وتحمل الأعضاء عند ترشحهم عبء طرح هموم المواطن وكيفية إنهاء مشكلاته وعذاباته في البطالة والفقر والإسكان وغير ذلك. وكما قال لي أحد البسطاء من المحرقيين «إنت اللي صحفي إيجوز يتكلمون الناس اللي انتخبناهم عن اللحية والشوارب والبطاطيل والبرقع واحنا يواعه؟».
لا أعتقد أن سؤال هذا البحار البسيط بحاجة إلى جواب أو تعليق لأن الرد يعرفه المجنون قبل العاقل فهو (لا) طبعا
العدد 447 - الأربعاء 26 نوفمبر 2003م الموافق 01 شوال 1424هـ