العدد 445 - الإثنين 24 نوفمبر 2003م الموافق 29 رمضان 1424هـ

هجوم السلام الروسي

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

أشارت استطلاعات الرأي في موسكو إلى ارتفاع شعبية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وفي المدة الأخيرة وصلت إلى نسبة 82 في المئة وهي درجة لم يبلغها مسئول في العقدين الأخيرين.

ارتفاع شعبية الرئيس الروسي لا خلاف عليه، فهناك الكثير من المبررات والعوامل التي أسهمت في منحه مثل هذه الثقة من قبل الناس. فالرئيس نجح في تحقيق استقرار سياسي - أمني تعزز بنمو اقتصادي ثابت بعد سلسلة من الاخفاقات تعرض لها الاقتصاد الروسي بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. تلك الإخفاقات سببت فوضى سياسية وتوترات أمنية شجعت الفساد وسهلت انتاج مافيا مالية عمدت إلى تهريب الثروات والتحف الفنية والإثارات إلى الغرب وجعلت من روسيا الاتحادية مجرد ملعب للتنافس بين الشركات الاحتكارية ومؤسسات النهب والاتجار بقوت الناس.

نجح بوتين في سنواته الأولى في وضع حد للفوضى والانهيار الشامل وبدأ باعادة تنظيم إدارات الدولة ووقف حالات النهب والسرقة. وما كاد ان ينتقل الى تنظيم علاقات روسيا مع دول الجوار وأوروبا والعالم حتى وصل الحزب الجمهوري إلى رئاسة البيت الأبيض معلنا انقلابه على كل الاتفاقات التي وقعتها الولايات المتحدة مع موسكو بذريعة انها وقعت مع دولة لم تعد موجودة.

وتعزز الهجوم الأميركي بضربة 11 سبتمبر/ ايلول 2001 وانتقلت واشنطن من مرحلة الغاء الاتفاقات مع الاتحاد السوفياتي السابق إلى مرحلة تطويق روسيا الاتحادية ميدانيا باحتلال أفغانستان وانتقالها من هناك إلى جمهوريات آسيا الوسطى ودول بحر قزوين لتفرض على الجار الكبير سلسلة معادلات اقليمية تمثلت في توقيع «البنتاغون» اتفاقات أمنية وعسكرية تعطي أميركا الحق في استخدام القواعد كمحطات انطلاق تحت ستار مكافحة «الارهاب الدولي».

راقب بوتين جيدا تلك الحركة الالتفافية التي اتبعتها إدارة بوش الجمهورية ولم يتحرك فورا لمواجهتها بل سلك طريق التفاوض لاحتواء الغضب الأميركي حتى لا ينجر الى معركة قررت «البنتاغون» مكانها وزمانها.

ترك الرئيس الروسي الأمور تسير بهدوء مستفيدا من الثغرات التي ارتكبتها الإدارة الأميركية الهائجة والمنفعلة حين قررت ضرب العراق على رغم انف العالم وبالضد من مجلس الأمن.

بعد الحرب على العراق وتعارض الهجوم الأميركي مع مواقف الاتحاد الأوروبي والصين والعالمين العربي والإسلامي ومجموع دول العالم الثالث بدأ الرئيس بوتين بتنظيم خطواته من دون انفعال فقام هو بترتيب علاقاته مع الصين الخائفة من سياسات واشنطن في تايوان وكوريا الشمالية وعلى حدودها الغربية وكذلك حافظ على علاقات روسيا المتميزة مع الهند من دون ان يثير حساسية باكستان، وألحقها بتوقيع موسكو اتفاقات أمنية وعسكرية مع بعض دول آسيا الوسطى جنبا إلى جنب مع الولايات المتحدة.

وحين انتهى الرئيس الروسي من ترتيب علاقاته مع دول الجوار وبالتضامن مع أوروبا بدأ بتنظيم هجومه السلمي على مستويات مختلفة مستفيدا من حال الهياج الأميركي والمخاوف التي أثارتها واشنطن لدى معظم دول العالم. وفي هذا الصدد جاءت زيارة ولي العهد السعودي الأمير عبدالله لموسكو لتشكل علامة فارقة في العلاقات بين البلدين، ألحقها الرئيس بوتين بمشاركة روسيا في قمة ماليزيا لدول «المؤتمر الإسلامي» الأمر الذي ترك الأثر الطيب في نفوس أكثر من 56 دولة مسلمة. وبعد ماليزيا عاد بوتين إلى الاهتمام باعادة ترتيب شئون بيته فأقدم على ضرب مراكز القوى المالية (المافيات) في موسكو التي حاولت الاستقواء بثرواتها لفرض شروطها السياسية على الكرملين.

كل هذه العوامل أسهمت في رفع شعبية بوتين الى أعلى نسبة عرفها رئيس روسي وهو أمر أتاح له فرصة اعادة تنظيم هجوم سياسي سلمي وتطويره دوليا في ضوء معادلة القوة الداخلية. فموسكو طرحت «خريطة الطريق» على مجلس الأمن وانتزعت شرعية دولية لها لكشف الطرف الحقيقي الذي يعطل تنفيذها.

كذلك تحاول تدويل قضية العراق من خلال نقل موضوع الاحتلال مجددا إلى مجلس الأمن لاتخاذ قرار دولي بشأنه. وكذلك حافظ بوتين على ثبات الموقف الروسي من الملف النووي الايراني وهو ملف يرجح ان تميل فيه كفة تفاهم موسكو مع الاتحاد الأوروبي على كفة الضغوط الأميركية - الاسرائيلية.

هناك الكثير من القضايا يمكن تعدادها... ويبقى السؤال: هل بدأت موسكو رحلة عوتها لتلعب دورها الكبير والمنتظر على الساحة الدولية؟ الجواب يحتاج إلى وقت ولكن هذا يمكن رؤيته من خلال تطوير الرئيس بوتين لخطة هجوم السلام الروسي على الضد من هجوم الحرب الأميركية

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 445 - الإثنين 24 نوفمبر 2003م الموافق 29 رمضان 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً