العدد 444 - الأحد 23 نوفمبر 2003م الموافق 28 رمضان 1424هـ

الحلف الأطلسي يخطط لحروب المستقبل وعينه على «الشرق الأوسط»

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

ليس هناك أسوأ من قرار نقل جندي إلى قاعدة نورفولك. تعتبر هذه المدينة جنة لعشاق لعبة الغولف كما يقول ضابط في سلاح البحرية الأميركية خدم سنوات طويلة في هذه القاعدة وتحدث بحماس عن استمتاع ضباط من هولندا أمضوا بعض الوقت هنا وخصوصا أن المناخ المعتدل الذي يخلو من الرطوبة في الصيف يساعد كثيرا في الاستمتاع بالعيش في نورفولك التي تبعد نصف ساعة بالطائرة عن واشنطن. كما أن المعيشة في ولاية فرجينيا التي تقع فيها نورفولك ليست مكلفة إذ بالإمكان الحصول على منزل لقاء 130 ألف دولار. ليس غرابة أن يعتبر حلف شمال الأطلسي قاعدة نورفولك مكانا هادئا ومناسبا لإرسال العسكريين إليه قبل وقت قصير على نهاية خدمتهم. لكن هذه القاعدة هي ثاني أكبر قاعدة عسكرية تابعة للحلف العسكري الغربي. خلال الحرب الباردة كان يجري فيها الإشراف على نشاطات فرق البحرية في مواجهة الأساطيل السوفياتية. لأن الخطر السوفياتي زال وأصبحت الغواصات والسفن الحربية الروسية تجد طريقها إلى العمق بسبب سوء الصيانة، لم يعد هناك عمل متعب في قاعدة نورفولك سوى توفير الصيانة لحاملات الطائرات الأميركية التي عادت من حربي أفغانستان والعراق.

داخل القاعدة التي ترفرف أعلام دول (الناتو) على مدخلها، يتحدث الجنرال ليوتنانت الكندي ميشيل ميزونوف عن النشاطات التي تجري في هذه القاعدة: إن مهمتنا هي التخطيط للمستقبل. ثم يمضي في الحديث عن تفكير جديد وتحول هام في تاريخ حلف شمال الأطلسي. ليست قاعدة نورفولك قاعدة عسكرية بالصورة المعروفة بل إنها بطاقمها المؤلف من ميزونوف وأربعمائة من رفاقه العسكريين التابعين لبلدان أعضاء في حلف شمال الأطلسي عبارة عن مصنع لإنتاج الأفكار العسكرية للحلف والتخطيط لحروب المستقبل التي تتمحور على: محاربة الإرهاب والحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل والمشاركة في مهام فرض الأمن والسلام في العالم. بصورة أدق يعد الحلف العسكري الغربي نفسه للسيطرة على العالم والتدخل العسكري في المكان الذي يخدم مصالحه. للدلالة على صورة المستقبل دعا وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد مجموعة من زملائه في الحلف إلى لقاء في كولورادو سبرينغس في مطلع شهر أكتوبر/تشرين أول الماضي إذ أعد لهم مناورة في صورة هجوم قوة تابعة للحلف على دولة عربية تقع على جزيرة في الشرق الأوسط تحمل اسم(كورونا)وقعت تحت سيطرة متطرفين إرهابيين. في البداية أرسل (الناتو) قوة استطلاعية لإجلاء رعايا تابعين لدول الحلف من كورونا ثم اضطر الحلف لمواجهة نتائج غير مريحة: احتجاز سفينتين حربيتين تابعتين للحلف وإطلاق صاروخ على إيطاليا وتهديدهم باستخدام أسلحة الدمار الشامل قد ينجم عنها هجمات بالسلاح الكيماوي والجرثومي.

حتى هذا الوقت كان حلف (الناتو) يلعب هذه اللعبة على الورق لأن غالبية الدول الأعضاء في الحلف تفتقر إلى الآلات العسكرية كما لا يملك أفراد قواتها المسلحة التدريب العسكري اللازم لمثل هذه المواجهة. بعد مضي أكثر من عشرة أعوام على انهيار جدار برلين ما زالت غالبية الفرق العسكرية التابعة للحلف العسكري الغربي، تعتمد على أنظمة سلاح دفاعية. ويجري إعداد فرق تدخل لاستخدامها في محاربة الإرهاب الدولي وتنفيذ مهمات في أماكن تبعد آلاف الكيلومترات عن الغرب. هناك على سبيل المثال قوة (رد الفعل) قوامها 21 ألف جندي يجري استبدال الجنود فيها بصورة دورية كل نصف عام وهي الطريقة المتبعة لإدماج القوات المسلحة التابعة للحلف في التدرب للانضمام عند الحاجة لجيش التدخل الذي ينبغي أن يكون جاهزا للبدء بمهامه في مدة أقصاها خمسة أيام ولا يحتاج لدعم خارجي مدة 30 يوما. لقد نجحت أميركا في إقناع دول حلف شمال الأطلسي بخططها العسكرية في المستقبل وكل ما يجري التخطيط له، وضعه عسكريون أميركيون. قبل أربعة أعوام كان الأوروبيون يعملون لهدف إنشاء قوة أوروبية للتدخل السريع قوامها 60 ألف جندي. وقد عارضت واشنطن هذه الخطة واعتبرتها تحديا لحلف شمال الأطلسي ثم نجحت في تجميد الخطة الأوروبية. القائد الأعلى لقوات التحول التابعة لحلف شمال الأطلسي هو الأدميرال الأميركي إدموند غيامبستياني الذي أشرف في الماضي على إدارة غواصات تحمل أسلحة نووية وقال: بوسع نابوليون بونابرت أن يزورنا اليوم وسيشعر بالراحة. ويمضي في حديثه: إننا نعيش اليوم في عصر تجري فيه الحروب على طريقة بيل غيتس (مبتدع كمبيوتر ميكروسوفت). هذه إشارة إلى مقر قيادة الاتصالات التي تخضع أيضا لسلطة غيامبستياني إذ يتم التنسيق بين الدول الأعضاء. هذا المنصب المزدوج يؤكد هيمنة الولايات المتحدة على حلف شمال الأطلسي الجديد. يقول نائبه الجنرال لويتنانت روبرت فاغنر: حرب العصر الصناعي كانت تعتمد على المعدات الثقيلة وأعداد كبيرة من الجنود وإرسالها إلى جبهات القتال. لكن في عصر المعلومات يجري الاعتماد على سرعة نقل الفرق العسكرية وتنفيذ الهجمات ثم الانسحاب على عجل. في الماضي كان ضابط الاستكشاف يبلغ القيادة عبر الهاتف عن مكان وجود العدو. الوضع يختلف اليوم، قد يكون خمسة من الإرهابيين في مدينة ما لا يترك لنا متسع من الوقت ولهذا استحدث الأميركيون نظام الاتصال والقيادة يربط مختلف قيادات الحلف بواسطة الكمبيوتر لتبادل المعلومات عن العدو ومتابعة عملية الهجوم عليهم. هكذا نجح الأميركيون في إطلاق صاروخ على عربة في اليمن كان فيها أعضاء في منظمة(القاعدة). يشير فاغنر إلى التغيير الحاصل على خطط الهجوم بحيث أصبح يجري النظر للعدو على أنه نظام ضمن عدد من الأنظمة. أي أن الهجوم يجب أن يستهدف تدمير شبكات المياه والكهرباء والاتصالات. في حرب كوسوفو مثلا لم يساعد ضرب الدبابات اليوغسلافية في دفع سلوبودان ميلوسوفيتش إلى تغيير موقفه. لذلك لجأ الحلفاء إلى ضرب شبكة الكهرباء لزيادة الضغط على ميلوسوفتش. في العراق استخدم الحلفاء استراتيجية مماثلة لكن تم في نفس الوقت الحيلولة من دون ضرب مراكز البريد لأن غالبية المواطنين أودعوا فيها وثائق ممتلكاتهم وإتلافها كان سيقود إلى فوضى بشأن استملاك العقارات. حرب المستقبل تأخذ كل شيء بالاعتبار وتهتم بأصغر التفاصيل. الاستراتيجية الجديدة حصيلة أخطاء وقعت في حروب سابقة. غزو جرانادا في العام 1983 على سبيل المثال، قامت به الولايات المتحدة بمفردها وتم استخدام فرق الجيش والبحرية وسلاح الجو لكنها لم تتعاون جيدا على أرض المعركة بسبب سوء نظام الاتصال وأدى الأمر إلى سقوط جنود أميركيين برصاص وقنابل رفاق لهم نظرا لاختلاف التدريب العسكري بين فرقة وأخرى. وفي حرب الخليج الثانية العام 1991 تبين للقيادة العسكرية الأميركية أن الاتصال لم يتم بين السفن الحربية الأميركية نظرا لاستخدامها أنظمة اتصال مختلفة. هناك تقديرات تتحدث عن وجود 16 نظام للاتصال في حوزة القوات المسلحة الأميركية ويزيد هذا العدد بين بلدان حلف شمال الأطلسي. وقال فاغنر: هدفنا في المستقبل أن يصبح بوسع سفينة حربية روسية قيادة طائرة حربية بلجيكية إلى مهمتها. في سوفولك، المدينة المجاورة لنورفولك يجري العمل بجد في التخطيط لحروب المستقبل ويمكن الإطلاع على الخطط العسكرية عن طريق الكمبيوتر. في قاعات كبيرة يمضي العسكريون الوقت في ابتداع العمليات العسكرية على شاشة كبيرة وعلى مدى أيام الأسبوع. وإذا تم اختيار تنفيذ عملية عسكرية في آسيا فإنه يجري العمل بها في الليل بسبب اختلاف الوقت. وفي موقع آخر يجري إعداد بيانات عسكرية لتوزيعها على وسائل الإعلام لأن الحرب يجب أن تكسب تأييد الإعلام وخصوصا الاعتماد على محطة التلفزة الأميركية CNN التي اكتسبت أهمية كبيرة ضمن الاستراتيجية العسكرية الأميركية. في سوفولك تمت مناورات حربية مئات آلاف المرات على أجهزة الكمبيوتر وكل مرة يجري إضافة تعديلات طفيفة أو يتم البحث عن عدو جديد وتغيير مناخ الحرب أو زيادة عدد دبابات العدو. ويوضح وجود الجمال والحمير والجبال مدى اهتمام الاستراتيجية العسكرية للناتو في المستقبل التي تقوم على أفكار أميركية بدول عربية وإسلامية. يجري التفكير في حرب العام 2030، إذ يتم التفكير فيها باستخدام قنابل نووية. لماذا كل هذا التخطيط العسكري؟ يقول أحد كبار العسكريين في نورفولك: إننا نعتقد أن الناس ستستمر بأكل الهامبورغر بعد ثمانية آلاف سنة. ونحن عازمون على نشر الحياة الأميركية في أنحاء العالم. كلام ينذر بخطر أن تفقد الأمة الأميركية سيطرتها على نفسها، فقد ابتعدت كثيرا عن مبادئ مارتن لوثر كينغ وجون أف كنيدي، وهي المبادئ التي يدعو جورج دبليو بوش لتحقيقها في البلدان العربية. فهل من طريقة غير استخدام آلات القتل والدمار؟

العدد 444 - الأحد 23 نوفمبر 2003م الموافق 28 رمضان 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً