العدد 443 - السبت 22 نوفمبر 2003م الموافق 27 رمضان 1424هـ

عندما يصل الفساد إلى بيع لحم الحمير على الناس

سيد ضياء الموسوي comments [at] alwasatnews.com

الفساد هو الغول الذي يأكل كل شيء أمامه... يصنع الفقر ليعيش ويعيش ليموت الآخرون... انه المرض الذي استشرى في عالمنا العربي وأصبح يشكل خطرا أكبر من خطر التخلف والجهل وحتى الامراض الاكثر ايلاما ووجعا.

عادل حمودة صحافي مصري ألف كتابا عن الفساد المالي والاداري في مصر وهو يحكي عن نظامنا العربي بكامله... قرأت الكتاب ذات ليلة من ليالي القدر فخلت الملائكة ماتت وهي تقرأ معي صور الفساد وطرقه واساليبه، واظن انه حتى «الحاج خميس» لم ينم هانئا في قبره تلك الليلة، وعجبت لهؤلاء من أسماهم حمودة بـ «الحيتان السمان» و«القروش السمان» و«الفيلة السمان» و«القطط السمان» كيف يستطيعون ان يتمددوا كهارون الرشيد، ويناموا على مخدة من ريش النعام وبينهم ملايين من البشر حفرت معاناتهم على الصخر وعاشوا على الارصفة، وراحوا يأكلون التراب بسبب هذه المظاهر والسلوكات المرعبة من الفساد! على رغم ذلك كانت رحلتي مع الكتاب رحلة حزن مليئة بشهية معرفة الأساليب، لكني اضطررت إلى شرب كأس المر حتى نهاية الفجر. دعونا نجلس هذا الصباح مع عادل حمودة لنشرب قهوة الصباح - ولو مجازا - مع شيء من بهارات فساد نظامنا العربي فلعلنا نزداد بركة ونحن نرتل دعاء الصباح مع مقولة التصبيح هذه «صباح الخير ايتها الديمقراطية... وصح النوم ترى الحارة لم يبقَ فيها شيء» ولعلنا نقول للمعارضة العربية، وللرموز العربية «نام حبيبي نام حتفرخ بيض وحمام».

يقول عادل حمودة وهو يصور شبكات الفساد كيف تنسج خيوطها في فترة حكومة الجنزوري السابقة في مصر: «وقد وجدت هذه الشركات (الفاسدة) حلفاء لها في السلطة والحكومة والصحافة وجهاز الشرطة... كل حليف كان يلعب دورا لتعمية الناس ونهب أموالهم وفي المقابل كان الثمن مغريا وقد وصل الفساد إلى وزير اقتصاد سابق، ومدع عام اشتراكي سابق...» وراح يصور أحد المفسدين الهاربين قائلا: «ان اشرف السعد ليس وحده الذي استعان بوزراء وجنرالات أمن سابقين لتسهيل نشاطه وأعماله، وليس وحده استعان بصحافيين واعلاميين لتغطية عيوبه وعوراته، ان في كل شركة من شركات القطاع الخاص قائمة محدودة من المسئولين السابقين يجرون الاتصالات ويسهلون الاجراءات ويسدون الثغرات».

وفي قضية تهريب كبرى اعترف مدير جهاز أمن الدولة بأن وراء التهريب «وجود شخصيات بارزة ومهمة لها ثقلها السياسي الكبير كانت تعمل خلف الستار لحساب زعماء هذه العصابة... منهم مسئول اقتصادي كبير ووزير آخر... كان هناك اتفاق ودي معهما على تسهيل إجراءات التهريب نظير أتعاب ضخمة».

وراح عادل حمودة يحكي عن الفساد في البرلمان قائلا: «وهناك الحصانة البرلمانية التي يسعى اليها رجال الأعمال بدخولهم مجلس الشعب وهناك السهرات والحفلات والمجاملات الاجتماعية لا حدود لها وهناك قوائم تشغيل الأبناء والأقارب... ان في كل شركة خاصة عددا من الموظفين... ليس لهم عمل... ولا مكاتب... ولا يحضرون نهائيا... ويحصلون على مرتبات شهرية... وسيارة... وموبايل... وهناك رجل اعمال شهير كان يدفع ما بين 3 و7 آلاف دولار لكل عضو في هذه الشبكة وهناك مجموعة من الوسطاء يوفقون بين رجال الاعمال والوزراء وكبار الصحافيين ويكسبون في النهاية من جميع الاطراف». ويضيف حمودة إلى اوجاعنا أوجاعا فيقول عن بعض مظاهر الفساد: «وهكذا تحول كل من هب ودب إلى رجل اعمال... تاجر سيارات... سمسار السيارات... المضارب على الأرض والمباني... وكيل شركات البطاطس والصابون الأجنبية بل ان أحد ديناصورات الاقتصاد المصري بدأ حياته صاحبا لملهى ليلي... كانت خبرته بدأت باستيراد البيرة من اميركا اللاتينية... ثم انتقل إلى ادارة مطعم للبيتزا... ثم وجدناه بقدرة قادر مسئولا رفيع المستوى في الحكومة يدير مشروعات وشبكات من الاعمال نقلته إلى خانة المليارات»... ليس غريبا علينا نحن العرب كل ذلك، فالفساد وصل حتى إلى الحمير فصحيفة «الحياة» ذكرت خبرا مفاده ان المدعي العام في الجزائر قبض على جزائريين، تمكنوا خلال شهور من ذبح 1514 حمارا في المسلخ البلدي وباعوا على الناس أكثر من 57 طنا من لحم الحمير وصدم المجتمع الجزائري للخبر وخصوصا عندما علموا انهم استهلكوا طوال شهر رمضان كميات كبيرة من لحوم الحمير. تقبل الله الصيام. وكان الضحايا من سكان العاصمة وكبار المسئولين والسفارات الأجنبية. «الحياة» العدد (14851).

صور من الفساد:

1- موظف عادي ليس لديه شهادة ثانوية يتحول بقدرة قادر إلى مدير في الدرجة العاشرة.

2- عمال مؤسسة يعملون في منزل المسئول أكثر من عملهم في المؤسسة.

وإلى اللقاء لتكملة كتاب عادل حمودة والأجر على الله

إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"

العدد 443 - السبت 22 نوفمبر 2003م الموافق 27 رمضان 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً