أكثر ما يحز في النفس واقع حالنا الذي يتجذر طائفيا في كثير من المناسبات. وعلى رغم حسن نية القائمين على المناسبات المختلفة فإن الصفة الطائفية يتم إلصاقها بالقائمين على المناسبة أو المقاطعين لها. وهكذا صبغ «يوم القدس العالمي» بصفة طائفية على رغم ان الذي دعا إلى المناسبة، الإمام الخميني (قدس سره)، لم يكن ينطلق طائفيا أو قوميا لمناصرة قضية فلسطين التي اعتمدها بصورة مركزية طوال حياته، ايام نضاله ضد الشاه، وبعد تأسيسه للجمهورية الإسلامية الإيرانية.
المحتفلون بيوم القدس العالمي غالبيتهم من الشيعة سواء كان ذلك في إيران أو العراق أو لبنان أو البحرين أو في بلاد المهجر. وفيما عدا حركتي الجهاد وحماس فإن بقية الفصائل الفلسطينية تبتعد عن احياء المناسبة، بل ان بعض التقارير الصحافية تتحدث وبشكل مقصود عن يوم القدس «الايراني»، أو «الشيعي».
البادرة الفريدة من نوعها هذا العام كان اصدار مجلس النواب البحريني بيانا بمناسبة يوم القدس العالمي، ولكن ايضا هناك من سيحسب هذا الاصدار ضمن «موازنة طائفية» وليس جزءا من سياسة عامة تؤمن بالمناسبة. هذا الحديث يعود بنا إلى ما يقوله المستشرقون عن العالم الاسلامي: ان مجتمعاتنا تتشكل وتتحرك على اساس «طوائف» و«قبائل»، وان التنظيمات الحديثة لم تستطع ان تتجذر ثقافيا.
ومن المؤسف ان هذا الحديث يتأكد يوما بعد يوم. فحتى مؤسسات الدولة تحولت إلى نمط طائفي وقبلي في مختلف البلدان الاسلامية. بل ان مؤسسة حديثة مثل «النظام الجمهوري» تحول إلى القبلية والطائفية. والحزب الحاكم وغير الحاكم في البلاد العربية تتم محورته طائفيا أو قبليا، والاحزاب التي لا تتبع هذا النهج تخسر المعركة السياسية. فالاخوان المسلمون في السودان كانوا اقوى تنظيم (حتى قبل «انقلاب ثورة الانقاذ» التي قادها عمر البشير) إلا ان التنظيمات الأخرى كانت تفوز لانها تعتمد القبلية والطائفية بينما الاخوان كانوا تنظيما اكثر حداثة وكانت هذه احدى مشكلاتهم.
الطوائف والقبائل تعزز موقعهم مع بدء العصر الحديث في الدول العربية والاسلامية بسبب فشل المؤسسات الحديثة آنذاك في مقاومة المستعمر من جانب وفي المحافظة على الهوية من جانب آخر. ولذلك انبرت الطوائف والقبائل إلى مقاومة المستعمر في مختلف البلدان بينما اندحرت التنظيمات الحديثة التي نظر لها البعض انها انتاج من خارج الجسد الاسلامي.
الدولة الحديثة والحزب الحديث والمؤسسة الحديثة فشلوا جميعا امام متطلبات العصر الحديث وانكفأوا يبحثون عن جذورهم الطائفية والقبلية، وأصبحت الاصوات المخالفة انما هي نشاز، أو «دعاية» للتغطية على الواقع الفعلي. ولذلك فإن الذي ينظر إلى دولة حديثة مثل لبنان فإنه يقرأ اسماء الاحزاب ويجد انها اسماء لبنانية ووطنية واسلامية، ولكن واقع الحال هو ان كل حزب يتبع طائفة معينة بحد ذاتها. ومن غرائب زماننا ان لبنان الذي يعترف بالطائفية بشكل رسمي تصبح لديه حياة سياسية منفتحة افضل من غيره ممن ينكر الطائفية أو القبلية على المستوى الرسمي.
أخيرا بدأت بعض الأمور تفلت من الطائفية والقبلية في مؤسسات مثل النقابات وبعض هيئات المجتمع المدني المعنية بشئون البيئة مثلا، وهذه توجهات حميدة يتوجب علينا مناصرتها وتوسيعها. ولكننا نعود ونتذكر او يتم تذكيرنا ان الطائفية والقبلية هي الاساس في كثير من شئون حياتنا، ولربما ان ذلك هو احد اهم اسباب تأخرنا حضاريا
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 443 - السبت 22 نوفمبر 2003م الموافق 27 رمضان 1424هـ