العدد 443 - السبت 22 نوفمبر 2003م الموافق 27 رمضان 1424هـ

المرأة... معوقة تؤسر أم تتمرد فتظهر؟!

في احد المواقع على شبكة الانترنت قرأت نبذة تعريفية عن قاسم أمين جاء فيها «من دعاة السفور وتحلل المرأة من الحجاب الاسلامي كان يدعو إلى الانتماء إلى الحضارة الغربية والاخذ بها، وكان معجبا شديد الاعجاب بهذه الحضارة، ومولعا بها، داعيا اليها، مهما كان الثمن» ليس المهم ان تكون مؤيدا أو معارضا لما كان يشتغل ويدعو اليه أمين، غير ان تعريف أمين بهذه الصورة المشوهة احادية الرؤية فيه انتقاص ودلالات تأخر وتشويه لادنى حقوق النقد المتعارف عليها للمهتمين أو المشتغلين بالثقافة.

قاسم أمين وحرية المرأة اسمان يلتصق احدهما بالآخر اينما وجدا في صفحات التاريخ المصري، يقول أمين في كتابه «المرأة الجديدة»: «هذا هو الداء الذي يلزم ان نبادر إلى علاجه، وليس له دواء الا اننا نربي اولادنا على ان يتعرفوا على شئون المدنية الغربية ويقفوا على اصولها وفروعها وآثارها. واذا اتى ذلك الحين، ونرجو ألا يكون بعيدا، انجلت الحقيقة امام اعيننا ساطعة كسطوع الشمس، وعرفنا قيمة التمدن الغربي، وتيقنا انه من المستحيل ان يتم اصلاح ما في احوالنا اذا لم يكن مؤسسا على العلوم العصرية الحديثة، وان احوال الانسان مهما اختلفت وسواء كانت مادية أو ادبية خاضعة لسلطة العلم، لذلك نرى ان الأمم المتمدنة على اختلافها في الجنس واللغة والوطن والدين متشابهة تشابها عظيما في شكل حكوماتها، وادارات محاكمها، ونظام عائلتها وطرق تربيتها، ولغاتها وكتابتها ومبانيها وطرقها بل في كثير من العادات البسيطة كالملبس والتحية والاكل... وهذا الذي جعلنا نضرب الامثال بالاوروبيين ونشيد بتقليدهم وحملنا على ان نلفت الانظار إلى المرأة الغربية» قاسم أمين - الذي يوصف بانه الداعي الأكبر إلى فجور المرأة وخلعها لحجابها وانتظامها في نهل المعارف الغربية، وخصوصا الفرنسية منها، تلك المعارف لم تنحصر في المظهر بل كانت ذات ابعاد اشمل لتشمل المناهج التعليمية الملامسة للمرأة وتكوينها وطريقة تحدثها وصولا لطريقة اكلها - هو ذاته أمين الذي لم تبق شخصية من شخصيات مصر الثقافية على اختلاف اطيافها الا واعطته لقب نصير المرأة والمدافع الأول عن حقوقها، بل هو احد بناة الحركة الثقافية المصرية.

يحتد النقاش ويتطور ليأخذ صورة فظائعية، إذ تعلو الاصوات وتطلق الاتهامات جزافا بين افواه من يريدون الحوار عن المرأة وحقوق المرأة... تتعقد على انها ستفرج غير انها تزداد تعقيدا يوما بعد يوم، بين من يصارع في بديهيات الأمر وبداياته وبين ادونيس إذ يصارع لتجريم لبس الحجاب للمرأة المسلمة في بلدان الغرب بل ويجرؤ على وصفه بأنه تحديد للحضارة والتقدم في بلدان الغرب. ولكن ماذا لو توقفنا لبرهة ونظرنا إلى الموضوع نظرة متأنية بعين المتأمل للمرأة واوضاعها ليس على الصعيد العربي أو الاسلامي وحسب بل على الصعيد الانساني ككل؟ اعتقد ان الحكم سيكون بلا تردد ان المرأة عاشت ومازالت تعيش صور اضطهاد وتغييب اثرت عليها وعلى نهوضها فكريا وثقافيا. ليست التجربة الغربية مستبعدة فهي مازالت تحتوي على الكثير من المشاهد المرفوضة على الكثير من الاصعدة، وعلى الصعيد الانساني على وجه الخصوص.

الوصاية الفكرية للرجل على المرأة قديمة التجسد في النظام الاجتماعي العربي وتلك أولى الملاحظات، فالمرأة تلك الناقصة للعقل والدين تلك التي خلقت من ضلع اعوج لا يحق لها التفكير في شئون حياتها وادارة طرق تنفيذ اهدافها ان كان لها حلم تحلم به. الرجل هو العاقل وهو الذي توكل له مهمة اتخاذ القرار، ليس فيما يخص التنظير في موضوع حقوق المرأة وحسب قبل في شئون حياتها ونمط معيشتها وصوغ اهدافها الشخصية كافة، تلك الوصاية التاريخية مازالت مستمرة، كل متكلم ومهتم بشئون المرأة هو الادرى بمصلحتها وهي العارف بسبل رقيها وتطورها. المرأة تابع للرجل بل هي تاريخيا مغنم يغنمه في الحروب والمعارك، ألم تكن المرأة تسبى وتعد غنيمة مثلها كباقي الغنائم من عتاد وماشية.

المشهد التاريخي الادبي له حضور في الذهن تستجلبه مشاهد عدة تحتاج إلى تحليل ورؤية هادئة، في الادب الجاهلي كان الغزل هو فاتحة المنظومة الشعرية ايا كان غرض تلك المنظومة من فخر أو هجاء أو مديح، وهو دلالة على استخدام المرأة كسلعة تسويقية للمنظومة الشعرية العربية، تتطور الصورة لتشاهد في هذه الاونة ان أكثر ما يباع في المكتبات العربية هي تلك الكتب المهتمة بالمرأة والغزل بالمرأة، همٌّ طفولي منذ الصغر يبدأ بقراءة الكتاب الممنوع والمرغوب «رجوع الشيخ إلى صباه» وتستكمل الصورة اضاءات مساندة تصور المرأة كسلعة ليس أكثر، نهتم ايما اهتمام بتلك المشهيات الانثوية حتى الثقافية منها، الا ان أكثر المواقف طرافة اننا لا ندعم مترشحات المجالس البرلمانية من الجنس الناعم، مع انه واجب تراثي عربي على ما اظن.

مازالت حساسية ولادة الانثى عالية وظاهرة الا ما ندر، وعلى رغم بروز النظرة الاسلامية في التراث العربي حيال نقد هذا التصور العربي التاريخي الذي كان في صورة وأد البنات ابان الجاهلية والذي اتخذ صورة أقل نسبيا كممانعة الزوج زيارة زوجته في المستشفى لانها انجبت فتاة، تتطور مراحل الضغط يوما بعد يوم فالحجاب - وهي لم تبلغ السابعة - مفروض بالعنف لا بالاقناع - وطريقة المشي محددة بحسب ضوابط معروفة توصف بالانضباط والاحتشام واسلوب الاكل له آدابه، واللباس وتعقيداته والتحدث إلى الآخرين وضوابطه والخروج من المنزل والتحدث في الهاتف مع الصديقات، ولربما الحرمان من الدراسة الجامعية بدعوى الاختلاط أو الدراسة خارج البلاد بدعوى الخوف من الفتنة ووساوس الشيطان، كما لا نغفل شروط العمل ومكانه ونوعيته وطبقات العاملين واوقات العمل والنوبات الليلية وطريقة الزواج والتحكم في صرف المهر... سلسلة من الثوابت التي تجعلها مسيرة بصورة واضحة لربما اختلفت بعض ألوانها من أسرة إلى أخرى بشكل بسيط، هو نمط اجتماعي عرفي معقد له تأثيره في تكوين المرأة العربية وشخصيتها، احساس بالعجز منذ الصغر، ولابد ان تنمو عقدة الانثى بداخلها لتصبح حاجزا نفسيا وكابحا امام تطوير امكاناتها، والاسلام والدين والعرف حجة المنظرين لتلك المنظومة الاجتماعية، لنقرأ التاريخ الاسلامي ونستلهم الشخصيات الفاعلة: فاطمة بنت محمد (ص)، خديجة بنت خويلد (رض)، عائشة بنت أبي بكر (رض)، زينب بنت علي ابن ابي طالب (ع)، هؤلاء كن على قمم السلطات الاسلامية والعرفية والتاريخية فهل كانوا نموذجا مخالفا لتلك السلطات وتجسداتها وايحاءاتها؟!

في بيتها أو ما يسمى بمملكتها تبرز المتناقضات، وان كانت لها سيطرة في اختيار المظهر لاثاث المنزل وتحفه، الا انها تبقى كاحدى الموجودات... تبقى تلك التي من الواجب عليها ألا تحتسي فنجان قهوتها الصباحية قرب نافذتها، والتي لا تستطيع الخروج أو الدخول الا باذن مسبق، تلك التي لو قدر لها ان تمتلك بعض مقومات ودوافع السيطرة كانسان ستكون نهايتها وشيكة، ليست الصورة مبالغا فيها، فالأسر الديمقراطية قليلة أو غير مكتملة العناصر ليطلق عليها اسرة ديمقراطية بالمفهوم الشامل. ولعل أكثر ما يؤرقنا هو الخلط بين مفهوم الحرية والتحرر وبين مفهوم التعري والانفلات الاخلاقي والحضاري. هنا محور مهم وهو ان التحليل للمرأة الغربية لدى بعض المهتمين يخلط بين الحرية وبين الشذوذ عن العام والمألوف كما انه لا يعير الاختلاف الديني أي اهتمام مع أهميته وتأثيره الكبير والذي يعطي دلالات مهمة في عملية التحليل.

لسنا نرى أمين محقا في افراطه في تبجيل الحياة الغربية، ولفظة التمدن والمدنية التي يكثر من استخدامها تعطي انطباعا سيئا عن الحركة الثقافية والعلمية في مصر تلك الفترة فهو يلصق المدنية والتمدن بالغرب دون الشرق، كانت هذه الرؤية الخاصة لقاسم أمين وليدة الصدمة عندما انتقل إلى فرنسا وانبهاره بما وصل له الغرب من تطور وحداثة وتقنية، والحقيقة ان المرأة الغربية ليست كاملة الاستقلال والحرية سواء في تلك الفترة أو الفترة الحالية، فعلى رغم النهوض الغربي في شتى المجالات فإن المرأة في الغرب مازالت تعامل في مشاهد كثيرة كسلعة ترويج، وعلى رغم نجاحها في الكثير من المجالات العلمية والثقافية والسياسية فإنها مازالت في دائرة البحث عن كيانها المستقل المتكامل دونما وصاية للرجل بعيدا عن القيود التاريخية التي كانت تحكم العلاقة بين الرجل والمرأة على مدى الحضارات الماضية.

ما اود اثارته هو ليس النقاش في حقوق المرأة أو اذا كانت المرأة ستتحصل على استقلالها عبر التطبيق للتجربة الغربية أو تنقيحها بالتراث الاسلامي أو العرفي، بل هو ان الموروث الاجتماعي للمرأة وحياتها وعلاقاتها هو بحاجة إلى البحث والتحليل والنقد العلمي، ليكون الصوغ الجديد للمرأة وحقوقها. واقعا وملائما لوقتنا الحاضر ويتناسب مع تطلعات المستقبل. لدينا ارث ضخم من التعدي على المرأة وحقوقها، ولدينا ارث حافل باضطهاد المرأة وممارسة الفحولة الذكرية بشتى اشتقاقاتها الفكرية والثقافية، هو قضية حضارة وسلوك اجتماعي أكثر منها قوانين أو تحديدا للحقوق في كلمات، لابد ان تعاد هيكلة البناء الاجتماعي على مبدأ التوازن بين عنصري الانسانية الرجل والمرأة. وللمرأة ذاتها دور في المضي قدما في المحاورة والتدخل في هذا النسق القديم المسيطر على المجتمعات من ارث مازال يقبع على الصدور مسببا نوعا من الاعاقة للمرأة ولها ان تتمرد فتظهر ذلك النصف الآخر، وهي ليست هنا النصف الآخر للرجل بل للمجتمع ككل، وهي عندما تدخل معركتها فهي في حرب ضد النسق الاجتماعي الذي يكبت حقوقها ويقزم من شأنها وليست معركتها ضد الرجل





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً