العدد 443 - السبت 22 نوفمبر 2003م الموافق 27 رمضان 1424هـ

النقد الموضوعي بين رؤى ماثيو إرنولد وتي. إس. إليوت

قرأت حديثا كتابا صدر قبل عدة سنوات لأحد رموز الثقافة المصرية هو سمير سرحان ضَمّنه آراء عدد من الكتاب الإنجليز وقد أهداه لأستاذه أستاذ الأدب الإنجليزي بجامعة القاهرة والكاتب المسرحي المعروف في الأوساط المسرحة رشاد رشدي... والذي جعلني أتوق لقراءة هذا الكتاب عن النقد الموضوعي هو شعوري بأننا في مرحلة يسيطر فيها على صحافتنا منذ بدايات الخمسينات وحتى اليوم خصوصا على الصفحات الأدبية والفنية والثقافية نقاد تغلب عليهم الرغبة في الانحياز حتى في محاضراتهم وندواتهم الشعبية ما ذهب ضحية انحيازهم العشرات من الكتاب المبتدئين الذين كانوا يتلمسون طريقهم في الكتابة والتأليف في بلادنا خصوصا والوطن العربي عموما، كان من الممكن أن يصبحوا لو أخذ هؤلاء النقاد بأيديهم عناصر مرموقة في ساحة القلم لكن ما تسبب في إحباطهم هو أن النقاد كانوا من اليسار، وهم المهيمنون على صفحات الصحف وبالذات الصفحات الأدبية والفنية فكانوا يرفعون من يريدون إلى السماء وينزلون من لا يريدونه إلى الحضيض، هذا الوضع أدى إلى عزل العشرات الذين كان يمكن أن يتلألا نجم الكثير منهم لولا محاصرة أولئك لهم وتكسير كل مجاديفهم بينما رفعوا عناصر لم يكن ليأخذوا لهم أي موقع على خريطة طريق الأدب والفن والثقافة في بلادنا وخصوصا في مجال الشعر لولا تطبيل أولئك لهم ومن هنا برز عدد من الشعراء الذين قاموا بطبع مجموعة من الشعر الغث الهزيل الذي لا يمت إلى الشعر بصلة تحت عنوان شعراء الشعر النثري، لقد برزت أسماء عدت أنفسها ضمن كوكبة شعراء البحرين. وكان وراء هذه الخدعة أولئك النقاد والأدباء فقط لأنهم تظللوا بمظلة اليسار الذي ينتمي إليه هؤلاء وكان للمرأة أيضا نصيب في هذا الظهور.

ومشكلة انحياز النقاد داء ابتلت به البلاد العربية في مجموعها تقريبا بما فيها البحرين بل حتى أوروبا، يقول ليونيل تريلنج إن الحياة الثقافية التي عاشتها أوروبا في القرن الماضي كانت إلى حد كبير تظللها خشونة السياسة الحزبية ويتوقف مديح الناقد لمؤلف ما، أو ذمه على مدى انتمائه إلى حزب معين ونوع الآراء السياسية التي يعتنقها، ولذلك كان لابد من الوصول إلى طريقة في التفكير لا تسمح للنظر الثاقب بأن تغشاه المصالح الشخصية أو الحزبية أو مواطن الضعف في الشخصية الإنسانية للوصول إلى طريقة جديدة للتعبير.

وحين أضيف شخصيا إلى مختلف أشكال النقد الأدبي والفني النقد السياسي الموضوعي يأتي ذلك من منطلق احتياج المواطن البحريني اليوم الذي صار يغرف في لجة الضياع من أقلام صحافية تستميت في الدفاع عن بعض الممارسات الرسمية الخاطئة وأخرى تضخم وترعب وتصرخ بصوت مفزع للغاية لتلك الأخطاء ما جعل المواطن يكاد يفقد توازنه بين تطبيل غير موضوعي وترهيب يكاد يصل درجة عدم الموضوعية كذلك مما يفرض في نظري ضرورة ظهور نقاد وكتاب وسياسيين يُقيّمون الوضع وينقدونه نقدا موضوعيا.

إن عدم وجود نقاد موضوعيين في مجال الأدب والفن ونضيف إليه السياسة كما ذكرت يكاد يطرح أسئلة كثيرة من بينها هل يأتي ذلك نتيجة أننا قوم عاطفيون نفقد توازننا عند النقد؟ أو هل لأن ضغوط الأنظمة العربية على شعوبها خلال القرن الماضي حتى اليوم هي التي دفعت إلى بروز النقد غير الموضوعي؟ لكن المثل الشعبي يكشف هذه الطبيعة المتأصلة في هذه المنطقة حين يقول: «حب وقول... وابغض وقول»، وهذا هو سبب ضياعنا وإبعادنا عن النقد الموضوعي فنحن إذا أحببنا تطرفنا في حبنا وإذا كرهنا تطرفنا في كرهنا ما أضاع طاسة الحقيقة بين النظرتين.

يقول سمير سرحان: «تحمل مدرسة النقد الحديث لواء النقد الموضوعي في عصرنا، وهي مرادفة بجميع ما يمكنها للنظرة العلمية إلى الأعمال الأدبية بعد أن أعادت تقييم المدارس النقدية المختلفة من تعبيرية إلى تأثيرية إلى تاريخية... إلخ»، وبحسب سرحان أن الناقد الأول للعصر الفكتوري في إنجلترا وربما في القرن التاسع عشر بأكمله ماثيو إرنولد يرى أنه أول من نادى بالموضوعية في النقد في عصر كان غارقا في الرومانسية والنقد الرومانسي.

وقال تي. إس. إليوت رائد مدرسة النقد الموضوعي في مطلع القرن الماضي «إن مهمة النقد شرح الإعمال الأدبية وتصحيح الذوق، ووسيلة الناقد في ذلك أداتان رئيسيتان هما: التحليل والمقارنة».

وفي اعتقادي أننا أصبحنا اليوم في بلادنا أحوج ما نكون إلى هذه النظرة الموضوعية على مختلف المسارات الأدبية والفنية والسياسية فالذي بلبل أفكار الجماهير عندنا ووشوش الرؤية أمام قراءاته لنتاج كثير من الأقلام غير الموضوعية ما ابعده عن الحقيقة والرؤية الواضحة الصحيحة فأصيب بمرض (الشقيقان) جراء هذا الكم الكبير من المقالات والندوات والأطروحات المتناقضة، ولا بد من ظهور أقلام موضوعية شريفة بعيدة عن الأهواء الشخصية والمصالح الخاصة تصحح المذاق العام من خلال ضمير حي يضع مصلحة الوطن والمواطنين فوق كل المصالح الأخرى بعيدا عن أجواء المثل الردي «حب وقول... وابغض وقول» لأن ذلك لن يوصل إلا إلى خراب هذا الوطن بل وغيره من أوطان الشعب العربي





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً