يقول الأوربيون إن لتل أبيب الحق في أن تخاف «نوايا» حركة حماس. لأن الأخيرة تستميت في عنادها بسبب التمدّد في القوة شرقا حيث إيران، وشمالا حيث سورية، وهي بالتالي تتّشح بأوصاف الفصيل، لكن نابَهَا هو نَابُ إقليمي.
ويضيفون أيضا لحقّ الكيان الصهيوني في أن يخاف حماس، لأن الأخيرة لا تعترف به كدولة تستحق الحياة. فهي إلى الآن مازالت تتمنّع من أن توافق على شروط الرباعية الدولية القاضية بضرورة اعترافها بتل أبيب.
ويضيفون كذلك، أن الكيان الصهيوني يعيش في أحياز جغرافية وسياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية لا تأتلف إلاّ مع أنويتها المتماهية أو القريبة! وأن تاريخ المنطقة يُنبئ بذلك، وبالتالي فهذا الكيان يعيش غُربة أمنية و»وجودية» في محيطه.
وهنا يصلح القول والردّ باللغة التي تجعل الأوربيين أكثر فهما لها من غيرها؛ فأوربا كانت ساحة لكل ما هو شرّ وجُرمٌ مشهود منذ الصراع الأسود في القرن الرابع بشأن الطبيعة الإلهية للمسيح مرورا بصراعات الحروب المتأخرة قبل أن تستتب على حالها اليوم، لذلك فهي قد تُدرك الأمور باستحضار مأساة تاريخها.
الآن يتمّ تجريم حركة حماس لوجودها في قوس المحور السوري الإيراني، وهنا يمكن التماثل بالسؤال كذلك: أَمَا كان للهُولنديين أن يقولوا الشيء ذاته لنظرائهم الفرنسيين والبريطانيين بسبب احتضانهم لبلجيكا في نضالها ضد مُقرّرات مؤتمر فيينا الذي ضمّها لهولندا عُنوة في القرن الثامن عشر؟!
وفي التاريخ القريب، ألَم يلجأ شارل ديغول إلى بريطانيا التشرشليّة مُحتميا بها بعد احتلال النازيين لبلاده العام 1940؟! أو لَم يلجأ مقاوموا الرور إلى الاحتماء بألمانيا بالمقاومة السلبية ضد فرنسا قبل إقرار خطّة دوز العام 1925؟!
وفي حُجّة حق الوجود حين يستهجن الأوربيون عدم اعتراف حركة حماس بالكيان الصهيوني، فهم في ذلك يفصلون بين ذلك الطلب وبين استنكافهم «تاريخيا» الاعتراف بالفاشيّة الموسولينية، والنازيّة الهتلرية، والفرانكيّة الإسبانية.
إذا كان حقا لأوروبا أن ترفض إيطاليا بموسوليني، وألمانيا بهتلر، وإسبانيا بفرانكو، فكيف لا يكون حقا للفلسطينيين أن يرفضوا إمارة يهودية فاشستية على أراضيهم جاءت كخاتمة كولونيالية للوجود الغربي المباشر في المنطقة.
لماذا ترفض بريطانيا الاستيلاء الأرجنتيني على جزر الفوكلاند، وترفض ألمانيا الاستيلاء الفرنسي البلجيكي للرور، ويُطلَب من الفلسطينيين أن لا يرفضوا الاستيلاء الصهيوني على أرضهم؟! إنه سلوك غير مفهوم.
وفي تبرير خوف تل أبيب من مُحيطها غير المتسامح مع الغير الديني والثقافي تاريخيا حديث أكثر مباشرة!. فلا يظنّ الأوربيون أن 131 عاما من الحروب الدينية لديهم والتي اندلعت في القرنين الخامس والسادس عشر، بقادرة على تسمية تاريخ القارة الأوربية بالتاريخ «التّسامحي» عبر الالتحاف بعصر الأنوار. إنه خطأ في التوصيف.
فلا أظنّ أن التاريخ (والأوربيون معه) سيتناسى كيف أصدر الملك هنري الثامن في العام 1539 مرسوما يقضي بـ»إلغاء تنوّع الآراء» نكاية بالمجاميع المسيحية الكاثوليكية الذين فرض عليهم الضرائب واضطهد وجودهم.
ولا أظنّ أن ذلك التاريخ سيتناسى أيضا كيف دُمّرت صور وتماثيل ومعابد الكنائس لصالح العرش البريطاني الذي تسيّد على الحجر والمدر حينها، وكيف أُعدِمَ ثمانية عشر ألف اسكتلندي في زمن ما عُرف بـ»المقتلة»، ويُرمى عدد من اللوردات من برج لندن في العام 1678 بتهمة الخيانة.
هنا (وفي أحوال غزّة) لا تصلح الموضوعات ما دامت مصاديقها مُختلفة. وعلى الكيان الصهيوني أن يُدرك أن الدويلات النشاز التي أُقِيمت في العالم بغير مُرتكز شرعي أو سياسي لا يُمكنها أن تستقيم أو تُعمِّر، ولو «تَبّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرا»
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 2337 - الأربعاء 28 يناير 2009م الموافق 01 صفر 1430هـ