استضافت «الوسط» أمس الطبيبين البحرينيين نبيل تمام وعلي العكري، اللذين كان لهما شرف تمثيلنا في قطاع غزّة أيام المذبحة البربرية الإسرائيلية.
قصة الطبيبين يكاد يعرفها الجميع، بفضل الاهتمام الإعلامي، وهي قصةٌ تنمّ عن طيب هذا الشعب وحسّه الإنساني الرفيع، وهي العملة التي نراهن عليها للخروج من كل مأزق أمني أو تشطيري أو طائفي يريد البعض دفع البلد إليه.
عضوة اللجنة الأهلية كوثر العيد، التي رافقت الطبيبين، أوضحت أن «لجنة دعم القدس» تعود للانتفاضة الفلسطينية الأولى، وتم إحياؤها مع أول أيام عدوان غزة، إذ هبّ الأطباء للتفكير فيما يمكن عمله لمساعدة أهلنا هناك. وكانت الخطوة الأولى طباعة 10 آلاف كوبون نفدت خلال يومين، بفضل جهود عشرة من الأطباء الشباب المتدربين، وتجاوب الجمهور البحريني والخليجي. وهكذا أرسلت الـ 10 آلاف دينار بيد الوفد الأهلي الذي اكتشف حاجة الفلسطينيين الماسة إلى المعدات والكوادر البشرية.
عند المعبر المغلق، اعتصم 50 طبيبا من جنسيات مختلفة، للسماح لهم بالدخول، وهكذا التحق بهم طبيبانا رغم ما حصل من مضايقات من الأمن المصري، «فالقضية قضية إنسانية بحتة، وهذا أقل ما يمكن تقديمه أمام ما يقدمه الفلسطينيون من تضحيات» حسب تمام. ويضيف: «كنا مع مجموعة بينهم ستة من كبار الأطباء المصريين، وأول ما دخلنا صلينا ركعتين وسجدنا على أرض فلسطين الطاهرة، ولقينا استقبالا حافلا من وفد الأطباء العرب».
وذكر تمام أن معرفة الإداريين والأطباء والجرحى بأنهما من البحرين كان يعزّز صمودهم فيعبّرون عن امتنانهم. وحين كان يعالج امرأة سبعينية تنزف، أوصاه بها المسئولون في اليوم التالي، ولما سأل عن السبب قيل له أن لديها ستة أبناء يقاتلون العدو على خط النار. وفي اليوم الثالث انهار مما شاهد من أعضاءٍ مقطّعة، وخصوصا حين جيء بصبي انتشر مخه على نقّالة الإسعاف، ومازال حتى الآن يعاني من كوابيس تداهمه كل ليلة.
العكري من جانبه لم يتمكّن من ضبط دموعه وهو يروي ما شاهد من فظاعات، وهكذا شاركه الجمهور، فدخولهم غزّة ترافق مع «المرحلة الثانية» من الاجتياح، وكان أول ما استقبله في غرفة العمليات 10 شهداء، وعشرات الجرحى. فالحرب لم تكن على «حماس» وحدها بل على الشعب الفلسطيني بنسائه وأطفاله، ومساجده ومدارسه، ومستشفياته وأطقمه الطبية... والصواريخ كانت تنزل على رؤوس الجميع دون تمييز.
العكري تأثر لتجربة الطبيبين النرويجيين المتطوّعين، فرغم تجربتهما السابقة في اجتياح لبنان في 1982، إلا أنهما لم يتمكنا من البقاء أكثر من عشرة أيام، فخرجا للعالم ليرويا فظاعات العدو الصهيوني الذي يتوسل له بعض العرب لقبول «مبادرة السلام» فيقابلها بالقتل والاجتياحات. ونقل العكري عن أحدهما قوله: «إنني لم أكن سياسيا، ولكن ما رأيته جعلني سياسيا».
كانت الصحيفة تتابع الطبيبين يوما بيوم، وكنت أتابع أخبارهما على أثناء سفري لتغطية قمة الكويت، لكن ما سمعته أمس يزيدني فخرا بأهلي وناسي وشعبي، الذي تُربّي نساؤه مثل هذه النماذج الإنسانية التي يعتز بها كل شريف. إنه كشقيقه الفلسطيني، شعبٌ لن يموت... ويستحق سياسة أفضل من سياسة الاستعداء والتهميش.
ملاحظة: تسعى اللجنة حاليا إلى جمع تبرعات لبناء «وحدة العناية المركزة» باسم جمعية الأطباء البحرينية في مستشفى أبو يوسف النجار، بارك الله جهود الجميع
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2337 - الأربعاء 28 يناير 2009م الموافق 01 صفر 1430هـ