ثلاثة أيام متواصلة ازدحمت لندن خلالها بآلاف المحتجين على زيارة الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش الذي وصلها مساء الثلثاء الماضي وغادرها الجمعة بدعوة من ملكة بريطانيا التي استقبلته في القصر الملكي «بيكنكهام بالاس» الواقع في قلب العاصمة البريطانية، وبحضور عدد من كبار المسئولين في البلدين.
وشهدت لندن في أيام الزيارة والتي سبقت الزيارة حملة أمنية واسعة، اذ شددت الشرطة من اجراءات الأمن المكثفة فنشرت نحو 14 ألف عنصر من مختلف المواقع الحساسة، اضافة الى ألفي عنصر من شرطة السكوتلا نديارد و250 وكيلا يعمل في الخدمة السرية مع كامل أسلحتهم.
وسيرت مئات العربات وطائرات مروحية وكلاب الحراسة، وقامت بتفتيش السيارات المارة بجنب قصر الملكة أو في منطقة ويستمنستر والمناطق الأخرى القريبة من السفارة الأميركية.
وسمحت الشرطة إلى عشرات الآلاف من المتظاهرين بتسيير مظاهرات احتجاج بشرط الالتزام بالتعهدات التي قدمها القائمون على هذه المسيرات بعدم تعريض الأمن لأي عمل انتهاكي.
وظهر الشارع البريطاني في أعلى درجات الحماس ضد الزيارة، فقد بدأت المنظمات المعادية للحرب التي نشطت قبل غزو العراق من قبل الولايات المتحدة بتوسيع دائرة تحركاتها واستقطاب المزيد من الرافضين لسياسة طوني بلير التي يعتبرونها سياسة ذيلية تابعة لإدارة بوش، وكرد فعل لهذه التحركات اعلن عمدة لندن عدم استجابته لطلب الترحيب ببوش، مؤكدا «ان أهل لندن لا يرحبون به نتيجة سياساته غير السلمية».
وكان يوم الخميس قمة التحرك ضد الضيف غير المرغوب فيه من قبل البريطانيين الذين اعلنوا في آخر استقصاء للرأي ان ما يزيد على الـ 60 في المئة ضد هذه الزيارة وأكثر من 30 في المئة يعتبرون الرئيس الأميركي رجلا «بليدا».
وشارك في تظاهرات لندن عدد من المنظمات الانسانية والمنظمات المعادية للحرب والاسلحة النووية وموظفون ومتقاعدون وعلماء وشعراء واعلاميون ومن مختلف القطاعات الاجتماعية، وابرز المنظمات التي ساهمت في هذه التحركات منظمة «اوقفوا الحرب» و«الرابطة الاسلامية» ومجموعة «روبن كوك» وزير الخارجية السابق الذي استقال احتجاجا على مشاركة بريطانيا في الحرب على العراق وهذه المجموعة تضم برلمانيين ووزراء مثل وزيرة التنمية الدولية كلير شورت وجورج غالوي وطوني بن وغيرهم، ومنظمة «الحملة من أجل نزع السلاح النووي» ومنظمة «جماعة مسرح الحرب» والكثير من المنظمات الأخرى.
وأبدى الكثير من الشخصيات السياسية المعروفة رأيهم المعارض لسياسة بوش وللزيارة ايضا، فقد استغرب روبن كوك من هذه الزيارة، بينما قالت وزيرة التنمية الدولية كلير شورت ان المتظاهرين سيظهرون كم كان بوش مخطئا، واعتبر طوني بن أن اسلوب ادارة بوش يذكرنا بأسلوب ادارة النازي في المانيا، وشملت التصريحات المعادية لبوش ايضا الكوميدي الاميركي الشهير مايكل مور الذي سبق له ان اعلن معارضته للحرب على العراق، فقد قال في صحيفة «الاندبندنت» ان الزيارة كلها تدور حول «صورة مع الملكة وبجنبهما العلمان الأميركي والبريطاني وذلك تحضيرا لانتخابات العام المقبل».
وفي يوم الخميس انطلقت مسيرة المتظاهرين الذين قدروا بمئة ألف عبر «وايتهول» جادة السفارات التي تؤدي ايضا الى مقر رئاسة الوزراء في واونينغ ستريت متجهة الى ساحة ترافلغار، اذ قام المتظاهرون باسقاط تمثال يمثل الرئيس الأميركي بالطريقة التي اسقط بها تمثال صدام حسين لا دفاعا عن الرئيس العراقي السابق وانما نكاية بالرئيس الاميركي. وانجزت هذا التثمال الناشطة ميل هاريسون مع زملاء لها في احد الاكواخ النائية في قرية بيلتون على بعد 160 كيلومترا شمال شرق لندن.
وقال أحد نشطاء «أوقفوا الحرب» «ان اسقاط تمثال بوش الذي هو بحجم تمثال صدام حسين وبالطريقة نفسها لا يعني اننا نقف مع صدام الذي نعتبره كارثة حقيقية على شعبه ولكننا نريد ابلاغ الرئيس بوش اننا لا نوافقه على الحرب ضد العراق»
وتركزت مباحثات الرئيس الاميركي ورئيس وزراء بريطانيا على عدة قضايا ابرزها الموقف من الاستراتيجية المشتركة تجاه العراق، اذ طرح بوش جملة افكار على طوني بلير، ابرزها قضية الاسراع في اعطاء السيادة للعراقيين، اضافة الى آلية اعادة اعمار العراق ومساهمات الشركات الاميركية والبريطانية في هذه العملية، فضلا عن مناقشة الدور الاوروبي في مستقبل الاعمار في العراق، وكذلك دعوة الامم المتحدة الى الاشراف على اعادة السيادة. وضبط الأمن والانتخابات وتشكيل الحكومة الشرعية المنتخبة وغيرها من خطط تخص الوضع العراقي.
وايضا جرت مناقشة مشكلة «الشرق الأوسط» والافكار البريطانية الداعية الى الاسراع في حل هذه المشكلة وتقريب موعد بناء الدولة الفلسطينية المستقلة، ولكن اشكال الموقف الاميركي من عرفات مازال ماثلا، اذ يصر الرئيس الاميركي على استبعاده من القيادة ويطالب الاوروبيون بمساندته في موقفه هذا.
وتأمل بريطانيا أن يقوم الرئيس الاميركي بنقل ملف المعتقلين البريطانيين في قاعدة غوانتنامو في كوبا الى المحكمة المدنية في الولايات المتحدة او تسليمهم الى بريطانيا لمحاكمتهم هنا.
كما ناقش الطرفان الرسوم الاضافية التي تفرضها واشنطن على واردات الصلب البريطانية بأمل ان تتراجع ادارة بوش عن هذه الرسوم.
واكدت مصادر عليمة ان زيارات كثيرة سيقوم بها مسئولون بريطانيون لواشنطن وامثالهم من المسئولين الاميركان للندن لتنفيذ الاتفاقات ذات الطبيعة الاقتصادية والتجارية.
وفيما يخص القضايا الدولية جرت مناقشة الموقف من ايران والاتهامات المستمرة لها كونها تسعى الى امتلاك اسلحة الدمار الشامل، ولبريطانيا رأي يختلف عن رأي الولايات المتحدة وخصوصا بعد توقيع ايران محضرا خاصا بهذه المسألة بحضور وزراء خارجية بعض الدول الاوروبية ومنها بريطانيا.
وتوقف الطرفان على قضية كوريا الشمالية، وتنسيق الموقف المشترك تجاه المسألة الكورية، وهناك عدد آخر من القضايا الجانبية طرحت ايضا للنقاش والاتفاق عليها
العدد 442 - الجمعة 21 نوفمبر 2003م الموافق 26 رمضان 1424هـ