الالتجاء إلى السلاح كخيار في التعاطي مع الأنظمة لا يزيد أي حركة إلا ضعفا وأن ثقافة تفخيخ السيارات، وتفجير الأماكن العامة، أو ملاحقة الأماكن الحساسة في مثل هذه الدول، وقتل الأبرياء تجعل المجتمع يزداد هروبا من أي شيء اسمه اسلام. ولا يجوز أن تحرق أصابع الأبرياء من المسلمين أو من الديانات الأخرى في بلاد الإسلام في فتنة مفرداتها التفجير بمنطلقات تكفيرية. ومن شأن ذلك أن يؤثر على سمعة وواقع المسلمين، بل ويجدها بعض من المتحاملين على الإسلام فرصة لتضليل الرأي العام العالمي كما فعل الرئيس الأميركي السابق ريتشارد نيكسون في كتابه «انتهزوا الفرصة» نجد أنه لا يرى من صورة الإسلام إلا خطف الرهائن ونسف الطائرات وتفجير الأماكن العامة وأن كل ذلك يتم «تحت رايات إسلامية».
ويبقى السؤال: ما ذنب هؤلاء الأبرياء الذين يقادون إلى المحرقة أو يحترقون بلظى هذه التفجيرات؟
العنف المسلح بين المسلمين في لبنان لم يخدم أي لبناني، وكذلك هي الفتنة الأهلية في الجزائر، وفي باكستان وفي بقية المناطق. طبعا قبل الدخول في معالجة أو معرفة أسباب مثل هذه الظواهر التي تجنح نحو العنف يجب التفكير مليا في معرفة العلة الكامنة وراء ذلك.
ثقافة العنف الحركي تبدأ كثقافة في العقل ثم تترجم إلى واقع عملي على الأرض. فهي تبدأ بتربية الشباب على ثقافة صدامية منغلقة على كل شيء، فكل شيء حرام والآخر حتى لو كان مسلما فهو «كافر» و...الخ.
هذا الرهاب الثقافي وهذا الفكر العصبوي عندما يقدم كزاد خطابي يومي يترجم عبر دروس وعبر إذاعات وكتيبات وقنوات و... لإلغاء كل من يختلف مع هذا الطرح من شأنه أن يخلق شبابا منغلقين ومغالين ويكونون صيدا سهلا لأي تعبئة تكفيرية مفخخة تقودهم إلى المحارق وحرق الأبرياء. وهذا ما حدث منذ سنين طويلة عندما راح المسلمون يكفرون بعضهم. يجب إعادة صوغ الثقافة التي تقدم إلى مثل هؤلاء الشباب.
بالأمس كُفّر الشيخ محمد الغزالي لكتاب وضع فيه اجتهاداته الفقهية، وكُفّر الشيخ يوسف القرضاوي بسبب آرائه المعتدلة والمتوازنة، وضُلل السيدمحسن الأمين بسبب بعض آرائه الاجتهادية وهكذا...
وقد ورد على لسان رسول الله (ص) «إياكم والغلو في الدين فإن الغلو أهلك من كان قبلكم» رواه النسائي وابن ماجه. وقال علي ابن أبي طالب (ع) «هلك فيّ اثنان محب غالٍ ومبغض قالٍ» نهج البلاغة. لذلك نجد كيف اتُّهِم محمد الغزالي بأنه علماني من اتباع أتاتورك. المصدر كتاب «المفترون» لهيدي.
ويصور القرضاوي طبيعة الحملة في كتابه القيِّم «الصحوة الإسلامية بين الجحود والتطرف» وهو يصور بعض صور الغلو: «لا يكاد فقيه أو داعية أو مفكر إلا مسه شواظ من اتهامهم».
هذا التطرف الفكري، والتزمّت ليس حكرا على فئةٍ دون فئةٍ، وهذه اشكالية مازالت عالقة في أدبيات وخطابات بعضٍ من الحركات الإسلامية على شتى أطيافها.
هناك استغراق وانشغال ملفت في قضايا وهمية، أو تافهة على حساب القضايا الجوهرية والأساسية. وهذه الثقافة من شأنها انتاج شباب هزيل ثقافيا ودينيا وعلى جميع المستويات على شاكلة الفتنة التي وقعت في إفريقيا لاختلاف المسلمين على شرب الشاي باعتبار أنه لم يكن في عهد رسول الله وكتبت القصائد المحرمة لذلك وكُفِّر من كُفِّر. ووصل الغلو والهوس «الاحتياطي» إلى تحريم لبس الذهب على المرأة! فقد ذهب صديق حسن الهندي إلى ذلك فقال «يحرم التحلي بالذهب المحلق كالعقد والخاتم على النساء، مستندا في ذلك على رواية شاذة «أيما امرأة تقلدت قلادة من ذهب قُلِّدت في عنقها مثلها من نار يوم القيامة» المصدر مقرر مادة الحديث - كلية الإمام الأوزاعي الإسلامية. نعم يجب مراجعة المادة المقدمة للشباب وخصوصا في القضايا السياسية حتى لا تكون الحركات الإسلامية موجات من الفراش تندفع مجذوبة لبريق النار فيكون نصيبها الاحتراق.
هناك كلمة رائعة للشيخ محمد العزالي في كتابه «دستور الوحدة الثقافية بين المسلمين» يقول فيها «ان تزوير الانتخابات واغتصاب إرادة الجماهير شيء لا يستحق التفكير الطويل. إن سرقة ثروة بلد وتبديدها في ملذات شيء لا يستحق التفكير الطويل. ما الذي يستحق التفكير إذن وتحمل راية الجهاد من أجله؟ القول بنجاسة ريق الكلب وعرقه والقول إن الكلب الأسود شيطان يقطع الصلاة» ص122.
ما يجري الآن في المملكة العربية السعودية وما يجري في تركيا عمل لا يمكن تبريره وهذه التفجيرات ستنعكس سلبا على الإسلام
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 442 - الجمعة 21 نوفمبر 2003م الموافق 26 رمضان 1424هـ