العدد 2337 - الأربعاء 28 يناير 2009م الموافق 01 صفر 1430هـ

«الشرق الأوسط» في ضوء الانتخابات الخمس

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

خمس دورات انتخابية ستعقد في الأيام والأسابيع والشهور المقبلة في منطقة «الشرق الأوسط». الأولى يوم السبت 31 يناير/كانون الثاني 2009 في العراق لانتخاب مجالس المحافظات. الثانية في «إسرائيل» في 10 فبراير/ شباط المقبل لانتخاب أعضاء «الكنيست». الثالثة في لبنان في مايو/ أيار المقبل لانتخاب مجلس النواب. الرابعة في إيران في يونيو/ حزيران لانتخاب رئيس للجمهورية. والخامسة في فلسطين لانتخاب رئيس السلطة وأعضاء المجلس التشريعي وسيتقرر موعدها النهائي في حال اتفاق الفصائل الفلسطينية على المصالحة والتسوية السياسية.

الدورات الخمس مهمة في مواقيتها فهي أولا تحصل في ظل إدارة أميركية جديدة تحاول البحث عن سبل مختلفة للتعامل مع الملفات الساخنة التي شغلت حيزا واسعا من اهتمامات إدارة جورج بوش. وهي ثانيا تعكس توجهات أهالي المنطقة وتطلعات قواها السياسية ورؤيتها لمختلف الحلول المطروحة على طاولة التفاوض الدولي والإقليمي. وهي ثالثا تشكل عينة ميدانية عن موازين القوى الشعبية وتوجهات الناس في منطقة استراتيجية وحساسة وغنية ومضطربة.

أهمية الانتخابات المنتظرة في ساحات العراق و«إسرائيل» ولبنان وإيران وفلسطين تأتي في سياق متغيرات دولية أخذت تكشف عن معطيات استراتيجية سيكون لها تأثيراتها الإقليمية وتحالفاتها في منطقة «الشرق الأوسط». وبسبب هذه المتغيرات يرجح أن تتشكل من تلك الانتخابات توازنات جديدة تعطي فكرة مصغرة عن خريطة «الشرق الأوسط» السياسية في مرحلة انتقالية لا يستبعد أن تحصل خلالها اضطرابات قاسية لتقرير التوجهات المحلية في كل حلقة.

العراق ولبنان وفلسطين ثلاث حلقات مترابطة في سلسلة جغرافية - سياسية ممتدة إلى إيران والخليج وأفغانستان. وترابط حلقات السلسلة في دائرة موسعة تعطي إدارة باراك أوباما إشارات سياسية قد تساعدها على صوغ توجهات عملية للتعاطي مع ملفاتها. فالإدارة الجديدة أعلنت منذ الأسبوع الأول عن سلسلة خطوات مترابطة في رؤيتها للملفات وقررت بناء على ذاك التوجه البدء في اتصالات تأخذ في الاعتبار وحدة الحلقات وتناغمها. الموضوع العراقي لا يمكن فصله عن الإيراني والخليجي والتركي والسوري. والموضوع اللبناني لا يمكن عزله عن القضية الفلسطينية وتأثير النفوذ السوري واستتباعا الإيراني. والموضوع الفلسطيني لا يمكن رؤيته خارج المشروع العربي ومجموع التأثيرات المصرية والسعودية والأردنية عليه.

كل الملفات مترابطة ومتداخلة ولكنها تخضع في النهاية إلى حسابات إقليمية وقراءات محلية. فالعراق بعد توقيع الاتفاقية الأمنية والتوافق على جدول الانسحاب يعتبر أولوية أميركية. الملف النووي وحماية موقع إيران في المنظومة الإقليمية يشكلان نقطة مركزية في سياسة طهران. فلسطين تعتبر القضية الأساس في مشروع المبادرة العربية. ولبنان يشكل نقطة تجاذب عربية - إيرانية تتقاطع في وسطها مجموعة خطوط ممتدة جغرافيا إلى سورية وفلسطين. لذلك تعتبر الانتخابات في الدوائر الخمس مهمة لكونها في الأخير توجه رسائل سياسية من الناس وتعكس في الإطار المذكور توازنات القوى وموقعها في إطار معادلة «الشرق الأوسط الجديد». فمن يربح يكسب الدور ويحافظ على النفوذ. ومن يخسر يفشل في تأكيد دوره وتثبيت نفوذه.

احتمالات وتوقعات

الدورات الخمس كلها مهمة في سياق الاحتمالات والتوقعات. فانتخابات مجالس المحافظات في العراق ستكشف عن توجهات جديدة تعطي فكرة عن التعامل الرسمي مع الولايات المتحدة بعد الاتفاق على جدولة الانسحاب ومدى نجاح طهران في توسيع نفوذها مقابل دعوات عودة الدولة لممارسة دورها القانوني في ساحة تتجاذبها الفوضى الأهلية. وانتخابات «إسرائيل» ستوجه رسالة سلبية قوية ضد إدارة أوباما في حال نجح أقصى التطرف في المعركة وأعلن رفضه التجاوب مع واشنطن في موضوع التفاوض مع السلطة الفلسطينية ما سيغلق أبواب التسوية المفترضة لفترة غير معلومة. وانتخابات لبنان النيابية التي يتوقع أن تنتهي بتوازن نسبي (لا أقلية ولا غالبية راجحة) ستترك تأثيراتها السياسية على المحيط الإقليمي لكون بلاد الأرز تشكل تقليديا ميدان اختبار للمعادلات العربية والدولية. وانتخابات الرئاسة الإيرانية سيكون لها دورها في ترسيم حدود التفاوض مع الولايات المتحدة ومدى الانفتاح على دول الجوار في إطار منظومة إقليمية تضبط إيقاع المصالح الخليجية تحت سقف الاحترام المتبادل. والانتخابات الفلسطينية لن تكون بعيدة عن فضاءات المنطقة وإطارات النفوذ ومحاولات مصادرة القضية لحسابات إقليمية تتجاوز حدود المشروع العربي والمبادرة السلمية للتسوية.

الانتخابات في دوراتها الخمس مهمة للغاية لكون نتائجها مترابطة سياسيا في تأثيراتها. مثلا إذا فاز التيار العراقي المتحالف مع طهران فإن إيران ستستفيد من ذاك النفوذ لتحسين شروط التفاوض مع أميركا في عهد أوباما. وإذا فاز التيار العراقي المستقل الذي يدعو لإعادة تأسيس دولة القانون والحياد الإيجابي مع المحيط الجغرافي فمعنى ذلك أن إمكانات إيران في التأثير الإقليمي والتفاوضي ستتراجع في مرحلة ما بعد انسحاب قوات الاحتلال الأميركية.

كذلك الأمر يمكن سحبه على الانتخابات اللبنانية. فإذا فازت قوى «8 آذار» فإن مساحة نفوذ المحور الإيراني - السوري ستتسع ليلعب دورا في صوغ الهيكل السياسي للدولة وموقعها في دائرة التنافس الإقليمي، وإذا فازت قوى «14 آذار» فإن النفوذ المحوري لطهران ودمشق سيتقلص نسبيا ما يعطي فرصة محدودة لاستعادة دور لبنان المستقل والمحايد عن التجاذب العربي - الإقليمي.

الأمر نفسه يمكن سحبه على الانتخابات الرئاسية الإيرانية. فالتجديد للرئيس الحالي يؤشر على أن مساحة التوتر ستحافظ على جغرافيتها ما يعطي فرصة لعودة الضغوط الدولية التي يرجح أن تأخذ أبعادا مغايرة في تعاملها الإقليمي مع طهران في حال توافقت واشنطن مع موسكو وبكين والاتحاد الأوروبي على اعتماد منهجية متناسقة في توجهاتها «الشرق الأوسطية».

الانتخابات الفلسطينية (الرئاسية والتشريعية) لا تخرج بدورها عن آليات التوازن الدولي - الإقليمي في إطار عزم إدارة أوباما على إطلاق مبادرة تحرك مفاوضات السلام في المنطقة. ونتائج الانتخابات ستلعب دورها للتأثير على التوجهات العربية واحتمال تعزيزها في حال فازت لائحة الفصائل المؤيدة للسلطة. أما إذا انتكست «فتح» ومالت الكفة لـ «حماس» فإن التأثير العربي سيتراجع لمصلحة نمو نفوذ المحور الإيراني - السوري ما سيضع القضية الفلسطينية على سكة حل يخالف ظاهريا مشروع المبادرة العربية ولكنه فعليا سيعيد ترتيب التوازنات الإقليمية ومدى اتصالها وتأثيرها على ساحة مركزية في منطقة «الشرق الأوسط».

الدورات الخمس كلها تعطي إشارات مهمة سواء على مستوى التوقيت أو على مستوى الجغرافيا أو على مستوى السياسة. فالتوقيت يتصادف مع حصول متغيرات في الإدارة الأميركية، والجغرافيا تؤكد على ترابط حلقات السلسلة، والسياسة تشير إلى الطبيعة الحرارية للملفات وهل هي متجهة للتبريد أو نحو مزيد من التسخين

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2337 - الأربعاء 28 يناير 2009م الموافق 01 صفر 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً