أهالي العكر والمعامير وسترة ونويدرات لديهم شكاوى عدة، بعضها متشابه مع باقي الشكاوى من مختلف مناطق البحرين وبعضها خاص بهم. ما يتعلق بهم اكثر من غيرهم هي البيئة غير الصحية المحيطة بمنطقتهم. فالمصانع تحيط بهم من كل جانب، وهناك الحظائر والاختناق المروري لانعدام التخطيط المناسب للطرق.
المعامير تشتكي اكثر من غيرها، والناس يتداولون في هذه المناطق كلاما عن اصابات بالامراض الخبيثة لصغار السن وعن ولادات غير سليمة وعن انزعاج دائم من الروائح التي تزداد مع تغير اتجاه الرياح.
المصانع المحيطة بالمنطقة بعضها متطور مثل البتروكيماويات وبعضها خفيف مثل صناعة «الفايبرغلاس». البتروكيماويات لديها شهادات بانها حميمة للبيئة ولكن المصانع هناك ليست مصنعا واحدا والغازات ليست نوعا واحدا والروائح مصدرها متعدد. وكل هذا يدعو إلى مراجعة السياسة العامة التي تتبعها الجهات المعنية لرصد مصادر التلوث البيئي الذي يستمر في ازعاج المواطنين ويعكر عليهم صفو عيشهم.
إن أية منطقة سكنية تحيط بها مناطق صناعية تتطلب سياسة صارمة ومراقبة من اجهزة الدولة. وهناك الوسائل المتطورة لرصد التسربات الغازية والروائح المنبعثة من هذا المصدر او ذاك وهناك وسائل حديثة لمعالجة كثير من هذه الامور. ولكن قبل اي شيء هناك الاجهزة التي تراقب وترصد التلوثات وتتسلم الشكاوى ومن ثم تطرح وجهة نظرها العلمية تمهيدا لطرح الحلول العملية.
الوعي البيئي مازال محدودا في البحرين والاهتمامات مازالت تعتمد على الطوعية من جمعيات ناشئة تحاول جهدها ايصال رسالتها لمن يعنيهم الامر. ولكن الاستجابات مازالت ضعيفة، خصوصا مع تشتت الجهود الرسمية وانعدام مركزيتها. فالمعروف ان الدول تتجه الى المركزية في الشئون الحرجة (كاعتماد مصرف مركزي واحد، وقوة امن واحدة... الخ) بينما تعتمد اللامركزية في باقي شئون الحياة لانها اقرب الى النهج الديمقراطي.
والبيئة من الامور الخطيرة والحرجة التي لا تصح فيها اللامركزية. فهناك حاليا عدة جهات مسئولة عن جزء من البيئة ولايجمعها مركز واحد ولا توجد وكالة لديها صلاحيات عليا تستطيع ان تفرض التحرك على هذا الموضوع او ذاك. وهناك الكثير من الدول ممن يخصص وزارة كاملة (اكثر من وكالة او هيئة) للبيئة وتشمل مسئوليات مثل هذه الوزارة البيئة البحرية وبيئة الجو وبيئة التربة والبيئة السكنية والبيئة الصناعية.
إن لدينا فائضا من الادارات والهيئات والوزارات ونقصا شديدا في جوانب اخرى ولعل الحاجة الماسة اليوم تتطلب اعادة النظر في توزيع المهمات الوزارية لكي لاتبقى مشكلات الناس تتصاعد من دون حل مركزي وشامل لها. فالبيئة ليست مما يمكن التهاون بشأنه، وخصوصا اذا تعلق الامر بحياة الناس وصحتهم ومستوى معيشتهم كما هو الحال في المعامير والعكر والنويدرات وسترة
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 440 - الأربعاء 19 نوفمبر 2003م الموافق 24 رمضان 1424هـ