مرعب جدا ذلك القدر من التهم التي ألصقها مجلس النواب بمقال «السماهيجي ملام» وبصاحبه من «احتراف الكذب» و«تعمد الإساءة» و«الجهل بالقانون والدستور»، وغيرها من الأوصاف التي تجعل أي كاتب يثّاقل إلى الأرض من سوء ما بشر أو صدم به، والأنكى من ذلك الطلب الغريب بعدم التعقيب على الرد وفق مادة في لائحة النواب (218) لا لائحة قانون الصحافة غير المتفق عليه.
ومع ذلك، فلايزال رد مجلس النواب الثاني، الذي سطره مرة أخرى مدير إدارة العلاقات العامة والإعلام بالإنابة غازي عبدالمحسن مليئا بعبارات التكذيب والإهانة، ولكن لا بأس بذلك مادامت القناعة بالرد العلمي والموضوعي هي الحاكمة.
كان الشعور حين وصل رد مجلس النواب الأول، أن المجلس إما يتجاهل ما ورد من وقائع في الصحافة المحلية، أو أنه لم يسمع بها من الأساس، وإما أنه أراد الوقيعة بشخص ما دون غيره لأنه اطمأن إلى صحة ما ذكرته الصحافة من معلومات عن الموضوع، بعد عدم نفي مجلس النواب لها، ونحن نطالبه هنا بالتعقيب ولا نطالبه بالصمت على هذه الوقائع التي ذكرتها الصحافة بعكس ما طالبنا به، لأنه الأفضل لتوضيح الحقائق وإنصاف الآخرين.
يبقى أن حال الاستنفار بعد وصول رد النواب، قد عمقت الكثير من الحقائق أثناء الرد المضاد، إذ لم تكن تلك الحقائق عن بداية تشكيل اللجنة وكيفية تشكيلها واردة في المقال الأول مع العلم بها، لأن المراد كان إصلاح الخلل لا التهجم والإساءة، ولهذا فإن مقال «السماهيجي ملام» أراد أن ينبه إلى أخطاء ترتكب بهدف التوجيه والنقد المشروع لكل مواطن الخلل في حياتنا السياسية.
إن ما عكسه ردا «النواب» الأول والثاني أفضى إلى قناعة بضرورة وضع النقاط على الحروف، لكي لا يستمر التداعي المؤسف، وليبصر الكثيرون الحقائق التي لم يكن إظهارها إلا اضطرارا بعدما أخذت سبيلها إلى المداراة والتكتم، ولا يدري المرء مدى صحة ترك الأخطاء حتى تكبر كما هو حال واقعنا السياسي، سواء في صفوف المعارضة أو السلطة، أو البين بين (البرلمان).
أولا: فلينظر المتابع إلى رد الزميل عبدالمحسن على ما كتب في مقال «ردا على مجلس النواب» لقد جاء في رده الثاني «لقد اتضح بما لا يدع مجالا للشك، وباعتراف الصحافي نفسه، أن ما خطت يداه ما هو إلا افتراءات وأكاذيب، والدليل عبارته «لا نعلمها نحن والعهدة على الراوي» والتي وردت في مقاله الذي علق فيه على المصادر الذي استقتها إحدى الصحف المحلية، أي أنه يجهل بمصادر الكلام الذي يكتبه، وهذا لربك طامة كبرى، وخروج على مبادئ الأمانة الصحافية، التي يستلزم توافرها فيه كصحافي». انتهى رد الزميل.
من الواضح جدا أن الزميل عبدالمحسن انتزع العبارة المذكورة انتزاعا، كما ينتزع الطفل الرضيع من حجر أمه حين التصاقه بها، لأن ما انتزعه الزميل هو نص الصحيفة الزميلة بتاريخ 2 نوفمبر/ تشرين الثاني 2003، الذي لم يرد عليه مجلس النواب لا بالنفي ولا بالإثبات، ويبقى السؤال: ما العلاقة بين عدم العلم بالمصدر، وبين خبر جلي وواضح في معانيه ومدلولاته، في كون الظهراني لام النائبين عبدالعال وغازي، وهو خبر لم يتم نفيه من قبل مجلس النواب؟ فالصحافي الذي أورد الخبر من المصدر هو العليم بالمصدر، ولا ندعي غير ذلك، ولكن هل يلغي ذلك كون الخبر على الصفحة الأولى في الصحيفة الزميلة؟ وكون مجلس النواب أو أحد أعضائه لم يرد عليه في حينه لا بالنفي ولا بالإثبات، وإنما رد على المقال الذي اعتمد الخبر، من باب ازدواجية الرد والكيل بمكيالين؟
لقد كانت جملة «لا نعلمها نحن، والعهدة على الراوي» جملة اعتراضية داخل نص خبر الصحيفة الزميلة، هدفها استفزاز المجلس للرد على الخبر الأصل، ولكن النتيجة جاءت عكسية، إذ جاء الرد على ناقل الخبر غير المكذب في حينه، وليس الخبر الأصل، وأوحى أسلوب الزميل عبدالمحسن في اقتطاع هذه الجملة الاعتراضية بأنه يفتقد الحرفية والمهنية معا، ويوجه سهامه لمن يريد ولأي شخص يريد.
ولكي يتجلى المشهد أكثر، هذا نص الصحيفة الزميلة «وكان تصريح النائبين عبدالعال وغازي الذي شككا فيه بتصريح السماهيجي المنشور في «الأيام» الأول من أمس قد أثار ضجة وبلبلة في الوسط النيابي، حيث أفادت مصادر من مجلس النواب أن رئيس المجلس لام النائبين عبدالعال وغازي على تشكيكهما في تصريح رئيس لجنة التحقيق في التجنيس النائب السماهيجي». هل يمكن للزميل عبدالمحسن أن يرد على هذا الخبر ذاته وعينه، فهو الخبر الأم، والقناعة أن الصحيفة الزميلة لم تكن كاذبة، وخصوصا أن النفي لم يرد حينها من مجلس النواب؟
ثانيا: لقد اعترف الزميل عبدالمحسن بما لا يدع مجالا للشك في رده بأن الرئيس ونائبه الثاني كانا يريدان التمديد شهرا واحدا بدل الأربعة أشهر، بعد أن اتهم كاتب السطور بالكذب والافتراء على المجلس في رده الأول، فالزميل عبدالمحسن تحاشى الرد على الحقائق التي تضمنها مقال «ردا على مجلس النواب» بخصوص رغبة الرئيس ونائبه الثاني في التمديد شهرا واحدا، ما يعني أنه ثبت هذه الحقائق بتغاضيه المتعمد عنها.
ويمكن القول إن رغبة الرئيس ونائبه الثاني في التمديد شهرا واحدا ليس عيبا ولا سرا يحرم إذاعته، وإنما القناعة بأنها حق طبيعي ومشروع للرئيس ونائبه الثاني، ومن حق الصحافيين أيضا مناقشة ما توصل له الرئيس ونائبه الثاني من قناعات، وهذا لا يستدعي من الزميل عبدالمحسن التكذيب في رده الأول، ولا التهويل في رده الثاني.
ومن بعد موضوعي، فإن اجتماعات لجان المجلس لا تمنع النواب من التصريح للصحافة بعد الاجتماع بما دار داخل اللجان، وصفحات الصحف المحلية تعج بأخبار لجان المجلس، كما أن الجميع يعرف أن النواب لا يجتمعون في الحدائق العامة مثلا، وإنما في غرف مغلقة، حفاظا على طمأنينتهم وسكينتهم وقدرتهم على تداول الآراء أثناء الاجتماع، ويعرف الجميع أن الاجتماعات السرية منذ البداية هي سرية ولا يحق للصحافيين معرفة فحواها، وهذا لا ينطبق على ما ذكره الزميل عبدالمحسن.
ثالثا: جاء رد الزميل عبدالمحسن على كاتب هذه السطور، بأن إشارة مقال «ردا على مجلس النواب» إلى عدم مبالاة النواب بقضية خطيرة مثل التجنيس، والخلل الأخلاقي تجاه الناس وقضاياهم المصيرية، وأن النواب فشلوا في الاختبار جميعا، سيعرض الكاتب إلى العواقب القانونية، ولعلم الزميل عبدالمحسن، بأن كاتب هذه السطور قد وطَّأ نفسه على تحمل تبعات كلامه منذ كتابة الرد الأول، كما كفل لنفسه حق الرد ومقاضاة من يتهمه بالكذب وتعمد الإساءة.
ولتوضيح شبهة الزميل، ففي الديمقراطيات العريقة يتعرض المسئولون الكبار إلى اتهامات الصحافة بالكذب واستغلال المنصب والنفوذ، وتعاطي الرشا من دون أن يسيء ذلك إلى الديمقراطية في تلك البلدان، لأن الوزر على صاحبه لا على الديمقراطية، وهم بذلك يطبقون القاعدة القرآنية «ولا تزر وازرة وزر أخرى» (الأنعام:146) أفضل منا نحن المسلمين، وبالتالي فإن المقال لم يشر إلى تكذيب أحد من النواب كما وجهت التهمة إليه، وإنما تطرق إلى خلل أخلاقي تجاه قضايا الناس، وللنظر مرة أخيرة إلى ما تجاهله الزميل في المقال الأول «ردا على مجلس النواب» وأتى بنتيجته ليحاكم بها كاتب المقال، ستكون هذه السطور مفاصلة أخيرة ونهائية لن يتم بعدها الرد على أية ردود من مجلس النواب إلا إذا برر موقفه من دون تكذيب أو اتهام أو محاكمة ضمائر الناس وما بدواخلهم.
1- كيف يفسر لنا الزميل عبدالمحسن مع بداية تشكيل لجنة التجنيس اشتراط خروج النائبين عبدالهادي مرهون وعبدالنبي سلمان لتشكيل اللجنة مع كونهما مقدما الاقتراح؟ إذ كان خروجهما منها إيثارا منهما لتشكيل اللجنة على رفضها في المستقبل لحسابات لن تذكر هنا، وهذا حق أخلاقي وتاريخي يحفظ للنائبين، مع الاختلاف معهما كونهما سمحا ولو بحسن النية بإضعاف اللجنة، وخصوصا بعد إدخال أسماء فيها بانتقاء ومزاجية واضحة.
2- كيف يفسر لنا الزميل عبدالمحسن تفعيل لجنة التجنيس في فترة عطلة النواب وسفرهم، ثم تنتهي المدة الأولى للجنة التجنيس من دون كتابة ولو تقرير أولي، ليتم منحهم بعد ذلك شهرين بدل أربعة أشهر، وكانت الرغبة في إعطائهم شهرا واحدا؟ كيف يفهم هذا الموقف مع العلم بظروف اللجنة، وكيفية تشكيلها؟
3- لا ينكر المرء أن من بين أعضاء اللجنة نوابا فاعلين، ومن بينهم النائب جاسم عبدالعال والنائب فريد غازي ولكن كيف يفهم تغيب ثلاثة من النواب هم: النائب عبدالله الدوسري، والنائب محمد الكعبي، والنائب عثمان شريف عن اجتماعات اللجنة ومكاتب إدارة الجنسية؟ وكيف يسمح البرلمان بمثل هذا التداعي الخطير في العمل البرلماني ليكون عرضة للأهواء والأمزجة؟ أليس هذا من نتاج الازدواجية في رفض بعض النواب مثل النائبين عبدالهادي مرهون وعبدالنبي سلمان وتقديم نواب آخرين غير راغبين في هذه المهمة من الأساس؟ ألا يؤثر هذا الكم المهمل من النواب غير الفاعلين في تأزيم عمل اللجنة بقدر ما هو مأزوم ومعقد؟ هذا ليس حديث كاتب السطور، ولا حديث نائب بعينه، وإنما حديث مجموعة من النواب.
4- أخيرا كيف يمكن قبول تصريح رئيس لجنة التجنيس علي السماهيجي بعدم وجود تجاوزات في التجنيس في 700 ملف راجعتها اللجنة بحسب زعمه، وهو ما نقضه النائبان جاسم عبدالعال وفريد غازي في رد مطول في صحيفة «الوسط» بتاريخ 1 نوفمبر/ تشرين الثاني 2003، مضافا إليه هذه الحقائق التي تنم عن عجز تام لدى لجنة التجنيس لكشف حقيقة هذا الملف الضخم والمعقد؟ ليبقى الرهان على توازنات العمل المعارض والرسمي، مع دعوة لجنة التجنيس إلى التفكير الجدي في بلورة موقف مستقل وشفاف من ملف التجنيس.
نعم، يمكن أن تضاف إلى القائمة مجموعة من الحقائق، ولكن هذه الحقائق المذكورة كافية للرد على وجود خلل أخلاقي تجاه قضايا الناس المصيرية، ونتمنى أن تؤخذ على قاعدة «ولا تزر وازرة وزر أخرى» أي بفصل واقع التجربة الإصلاحية والديمقراطية عن مواقف الأشخاص وقناعاتهم مهما كبروا.
أخيرا، يجب أن يعرف أعضاء المجلس ألا عداوة شخصية معهم، ولكن هناك اختلاف واضح في تقدير المواقف والأدوات السياسية الأفضل لحل المشكلات، وبالتالي فإن النظرة لنقص بعض الأدوات الدستورية التي تبتني عليها مجموعة قيم سياسية محضة في تقييم التجربة، تتجاوز النظرة العدائية للنواب بشخوصهم وأسمائهم، لأنها مرفوضة من الجميع، ولكن نقد مجلس النواب وفق ظروفه الموضوعية وإمكاناته الممنوحة له وحركة أشخاصه داخله أمر مشروع بل وضروري، ويبقى أن لكل قناعاته، ويبقى مشروع الإصلاح نابض بتعارضاته واختلافاته في دائرة الوطن، وبالأسلوب السلمي الذي لا يستعدي أحدا، وان المرء في موقعه ليشرف أن يطل على أخطائه قبل أخطاء غيره، فإذا رأى في كلامه حيفا وظلما للآخرين، فإن عليه أن يتنازل عن خطئه وربما موقعه، إنه شرف الاعتذار... ولا شرف أكبر
العدد 439 - الثلثاء 18 نوفمبر 2003م الموافق 23 رمضان 1424هـ