تسلمت يوم أمس أربعة مجلدات ضمت جميع أعداد مجلة «صوت البحرين» التي صدرت ما بين العام 1950 والعام 1953 لتسجل على صفحاتها المضيئة ما خطته أقلام الرموز البحرينية التي قادت الحركة الوطنية آنذاك. و«صوت البحرين» التي صدرت في مطلع الخمسينات يعاد نشرها بعد خمسين عاما على يد شخصية بحرينية تساهم حاليا في إحياء التراث البحريني في أجمل صوره، وهي الشيخة مي آل خليفة.
إعادة نشر ما كتب في الخمسينات بحلوه ومره أمنية لكثير منا، ولقد كان اسم «صوت البحرين» مدويا في الخمسينات واتخذت منه المعارضة لاحقا اسما لنشرتها الشهرية لأنه اسم عذب يحاول استنطاق الواقع البحريني بكل آماله وآلامه.
«صوت البحرين» كانت أكثر من مجلة شهرية، وهيئة تحريرها وإدارتها المتمثلة في إبراهيم حسن كمال ومحمود المردي وحسن الجشي وعبدالعزيز الشملان وعلي التاجر وعبدالرحمن الباكر، كانت في مقدمة النضال الوطني من أجل مزيد من الحريات العامة. هكذا تقرأ في آخر عدد صدر قبل إيقاف المجلة، إذ تقول افتتاحيتها: «إن ما حدث في البحرين من حوادث مؤسفة، وما رافق هذه الحوادث من ملابسات يكتنف بعضها الغموض والتعقيد ليس إلا نتيجة طبيعية للمبدأ الذي سار عليه المسئولون طيلة السنوات الماضية من عدم إشراك الشعب في الإشراف على مجريات الأمور الداخلية وإفساح المجال أمامه لتحمل مسئولياته ومواجهة مصيره بنفسه».
وبعد انتقاد رجال الأمن وما قاموا به لقمع الناس آنذاك تواصل الافتتاحية (الأخيرة قبل ايقاف المجلة) لتقول: «وإن الألم ليحز في نفوس الأحرار من أبناء هذا البلد عندما يرون أن هذه الرغبات والأماني الشعبية البسيطة، والتي لم تصل إلى درجة الجموح والتطرف التي وصلت إليها مطالب بقية الشعوب في جميع بقاع العالم، لا تقابل إلا بالشك في حامليها والتخوف من بحثها، فتفسر بصورة دائمة على أنها موجهة ضد فرد أو جهة من الجهات المسئولة...».
المجلدات الأربعة تحمل في طياتها تاريخا مهما من نضال الشعب البحريني، والشيخة مي نشرت المجلدات بكل جرأة، ما يعزز صدقيتها كرائدة في مجال إحياء التراث البحريني. والقارئ لما ورد في صفحات «صوت البحرين» آنذاك يستطيع فهم كثير من الأمور حاليا، فاللغة مازالت كما هي، لم تتغير منذ أن رفع الشعب مطالبه في مطلع القرن الماضي.
الافتتاحية الأخيرة لـ «صوت البحرين» شخصت حال الشك والتشكيك بين مختلف الأطراف، وكيف أن هناك من المسئولين آنذاك من كان يشكك في كل مطلب يتم رفعه. وحال التشكيك هي التي دفعت بالبحرين إلى مزالق كثيرة لم نستطع التخلص من كثير من جوانبها إلى الآن.
فالتشكيك في النيات كان لب المشكلة آنذاك وهو أيضا لب المشكلة حاليا، وعندما بدا أن طوق هذه المشكلة قد كسر مع بدء الإصلاحات السياسية في مطلع العام 2001 عادت حالات التشكيك مرة أخرى، بين مختلف الأطراف. وهكذا كلما حاولنا التقدم إلى الأمام تعود قوى التشكيك إلى الساحة لترجعنا خطوات أمام كل خطوة صحيحة نخطوها. وليس لنا من سبيل سوى فك طوق التشكيك بإرادة صلبة، فالطريق الأسهل هو إثارة الغبار على كل شيء، أما الطريق الأفضل فهو إزالة العقبات أمام المشاركة الشعبية في القرارات العامة... وهذا يبدأ عبر بناء جسور الثقة وإزالة أجواء الشك اولا وقبل اي شيء
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 439 - الثلثاء 18 نوفمبر 2003م الموافق 23 رمضان 1424هـ