العدد 438 - الإثنين 17 نوفمبر 2003م الموافق 22 رمضان 1424هـ

شرودر يتراجع عن الاشتراكية التقليدية

في مناسبة انعقاد مؤتمر حزبه في بوخوم

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

كم بوسع الحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم أن يتبع سياسة غير اشتراكية؟ إنه السؤال الذي يشغل بال المستشار غيرهارد شرودر ويسبب له الضيق لأن الإجابات التي يملكها لن تحظى بإعجاب حزبه. يعلم شرودر أن وقتا جديدا حل وجاء وقت التغيير لأن الأوضاع في ألمانيا يجب ألا تستمر على النحو الجاري.

بدأ أمس المؤتمر الاستثنائي للحزب الاشتراكي الديمقراطي في مدينة بوخوم، ومن المنتظر أن يعلن شرودر بدء عملية التغيير، إذ تحت أعباء السياسة التي تمارسها حكومة الائتلاف الاشتراكي الأخضر أصبحت شركات محلية مثل شركة الألبان الضخمة (مولر) تفضل نقل نشاطاتها إلى سويسرا المجاورة هربا من سياسة الضرائب الهشة. ويقول صاحب الشركة انه يشعر بأن سياسة الحكومة الألمانية تعمل في سلبه ممتلكات وهذا الموقف لا ينكره شرودر ويثير غضبه في الوقت نفسه. ومن مقره في برلين يراقب شرودر كل يوم قوافل المتقاعدين الذين يزورون الحي الحكومي ويتساءل في قرارة نفسه: إذا تم خفض راتب التقاعد قيمة خمسة يورو فهل سيؤثر على أحوالهم؟

سيضطر المستشار إلى الحديث أمام المنتدبين للمؤتمر الاستثنائي بصورة مسهبة عن برنامج الإصلاحات الذي يروج له منذ وقت، وهو يعرف حزبه جيدا وكذلك المخاوف التي يعاني منها. لهذا السبب سيدعو في مؤتمر بوخوم إلى إصلاحات عادلة وسيحاول كسب تأييد اليساريين الناقدين لسياسته وهو على ثقة بأنه في النهاية سيحصل على تأييدهم مثلما سيطلب من المنتدبين إعلان تضامنهم مع سياسته، فالحزب الاشتراكي الديمقراطي - كما يقول شرودر - اصبح على عاتقه السير بألمانيا نحو مستقبل أفضل. لن يجري العودة بعملية الإصلاح خطوة واحدة إلى الوراء. وعلى حد قول وزير الدفاع بيتر شتروك: قررنا وضع كل ثقلنا على ورقة الإصلاحات. استعد شرودر لمؤتمر بوخوم جيدا، إذ أجرى على مدى ثلاثة أيام مناقشات مع شخصيات سياسية مرموقة أبرزهم إرهارد إيبلر وهانز يوخين فوغل من قادة الحزب الاشتراكي القدامى ومع الرئيس الألماني السابق ريتشارد فون فايتسكر. ويتوقع المستشار أن 525 مندوبا إلى مؤتمر بوخوم سيؤيدون برنامج الإصلاحات المعروف باسم (أجندة 2101) الذي وافق عليه الحزب في مؤتمر استثنائي في شهر يونيو/ حزيران الماضي بعد مناقشات ساخنة.

توصف عملية الإصلاحات بأنها أكثر من عملية صعبة وتوديعا لمبادئ أمضى كثيرون من الاشتراكيين حياتهم في العمل من أجل تحقيقها والحفاظ عليها، وستحل محلها خطوات مثل خفض المساعدات الاجتماعية وفرض ضرائب على رواتب المتقاعدين عن العمل، وكذلك خفض رواتب العاطلين عن العمل وتشديد القوانين المتعلقة بالعمل لهدف تشجيع العاطلين على قبول وظائف عمل بغض النظر عما إذا كانت ملائمة لهم. إذا كتب النجاح لشرودر، سيحدث تقدم ضئيل لألمانيا، لكن سيحدث تقدم كبير للحزب الاشتراكي الديمقراطي. لم يسبق في تاريخ هذا الحزب على مدى 140 سنة أن دعا إلى مد يده إلى جيوب أبناء الفئة العاملة. سيجد مؤيدو الحزب أن هذه السياسة ليست اجتماعية، لكن الواقع الألماني أصبح يفرض العمل بإجراءات قاسية للحفاظ على مواصلة عمل الدولة الاجتماعية. وشاء الحظ أن يكون الحزب الاشتراكي هو الذي يبدأ عملية التغيير لأنه ليس أمامه مجال آخر في مواجهة رياح التغيير الناتجة عن العولمة. لن ينتهي العمل نهائيا بسياسة الدولة الاجتماعية لكن هذه السياسة ستنحصر بشكل ليس له مثيل.

لقد أدركت قيادة الحزب أن مبادئ الاشتراكية الديمقراطية لا يمكن مواصلة العمل بها في المستقبل، وأصبح ينبغي الحصول على تعريف جديد للتعابير السائدة مثل: الاجتماعية والعدالة. ما معنى هذا كله؟ معناه أن مبادئ الحزب الاشتراكي الديمقراطي ستتغير. وبلغت ايديولوجية التوزيع العادل نهايتها وتركت الدولة أمام أعباء كبيرة: تغير كبير في سوق العمل وتهرب أعداد متزايدة من المواطنين من دفع الضرائب إذ تتكبد الدولة سنويا خسائر قدرها مئة مليار يورو كما تبلغ الودائع المهربة في الخارج 400 مليار يورو، كما تنقل شركات محلية نشاطاتها إلى الخارج، وبلغ عدد وظائف العمل التي انتقلت إلى خارج حدود ألمانيا خلال السنوات القليلة الماضية 4,2 ملايين وظيفة عمل. بالإضافة إلى خسائر أخرى نتيجة التغيير الحاصل في الوضع الاقتصادي وقدرها 370 مليار يورو. وهذه الخسائر مجتمعة أدت إلى خسارة ألمانيا موقعها بوصفها دولة رفاه، وبلغ تأزم الأوضاع الاقتصادية درجة أصبحت ألمانيا نتيجتها تحتل مركزا خلف بريطانيا وفرنسا من جهة المدخول السنوي للفرد.

قبل ربع قرن حين كان الاقتصاد البريطاني يعاني من أزمة خانقة كان حجم المدخول السنوي للفرد في ألمانيا ضعف نظيره في بريطانيا.

وقال شرودر ان السياسة الاجتماعية في الحقيقة هي التي ينتج عنها خلق وظائف العمل، والسياسة غير الاجتماعية هي التي تؤدي إلى خسارة وظائف العمل. لكن يتعين على شرودر بعد وقت قصير على نهاية أعمال مؤتمر بوخوم، أن يتفاوض مع الاتحاد المسيحي المعارض لهدف التوصل مع قادته إلى اتفاق بشأن الموافقة على برنامج الإصلاحات في مجلس الولايات(بوندسرات)، السلطة العليا للبرلمان الاتحادي، لأن الاتحاد المسيحي يحوز الغالبية داخل مجلس الولايات. وسيسعى قادة الاتحاد المسيحي المعارض إلى الضغط على المستشار ليتجاوب مع مطالبهم بإجراء تعديلات على برنامج الإصلاح. بدءا من العام المقبل من المنتظر بدء العمل بهذا البرنامج. بالتأكيد يشعر شرودر بالألم عندما يطالع الأرقام الجديدة التي تشير إلى تراجع شعبية الحزب الاشتراكي عند الناخبين، لكن غالبية الألمان يعلمون في قرارة نفوسهم أن بلدهم يحتاج إلى رياح الإصلاح، لكن يرافق ذلك الشك في حدوث تحسن. لكن ليس أمام المستشار سوى المضي بعملية التغيير لأنه يعمل حق العلم أنه لن يفلح في مهمته إذا ظل يعمل بالسياسات الاشتراكية التقليدية

العدد 438 - الإثنين 17 نوفمبر 2003م الموافق 22 رمضان 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً