العدد 437 - الأحد 16 نوفمبر 2003م الموافق 21 رمضان 1424هـ

الصحف الأميركية: السياسة الأميركية في العراق في مأزق

آمنه القرى comments [at] alwasatnews.com

.

شكلت عمليات المقاومة المتصاعدة ضد الاحتلال في العراق، إرباكا واضحا لسياسة واشنطن في تعاطيها مع الأزمة الأمر الذي عكسته الصحف الأميركية بتساؤلات عن مستقبل الاحتلال فضلا عن الشكوك التي أملاها التغيير المفاجئ لاستراتيجية الرئيس الأميركي جورج بوش حيال مسألة تسريع انتقال السلطة إلى العراقيين الذي تجلى من خلال تصريحات بوش الابن المتناقضة حيال العراق، فبعدما أعلن انه سيعتمد استراتيجية جديدة لنقل السلطة إلى العراقيين بأسرع وقت ممكن، أكد بعد يومين ان «قواته لن تنسحب من العراق قبل إنجاز المهمة ومنها اعتقال الرئيس صدام حسين وزعيم القاعدة أسامة بن لادن» وكرر هذا الموقف وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد، إذ قال «ليس هناك قرار بالانسحاب في وقت مبكر» من العراق، فيما قررت القيادة الوسطى الأميركية نقل مقرها، بما في ذلك قائدها جون أبي زيد إلى قطر، وإرسال تعزيزات عسكرية جراء الوضع الأمني المتفجر في العراق. في أية حال ذكرت الصحف الأميركية استنادا إلى مصادر الإدارة الأميركية ان الاستراتيجية الجديدة تتركز على الإسراع بنقل السيادة إلى حكومة عراقية مؤقتة، واستبعاد مجلس الحكم الانتقالي من المعادلة السياسية في بغداد. وكانت واشنطن قد اتهمت المجلس بالتقصير في أداء المهمات المنوطة به. ووفق وكالة «أسوشييتدبرس»، فإن أحد الخيارات المطروحة للنقاش تسمية رئيس عراقي مؤقت يتمتع بسلطة لحكم البلد لحين وضع دستور واجراء انتخابات، وفق الطريقة التي اتبعت في أفغانستان. طبعا، هذا الأمر استبعده وزير الخارجية الأميركي كولن باول حين أطلق عبارته التي بدت إشارة على تردد في نقل السلطة إلى العراقيين، «لم نجد في العراق مثل قرضاي». أما تعليقات الصحف الأميركية من هذه التعديلات الأميركية التي فاجأت المراقبين فجاءت حذرة ومتخوفة وأكثر ما يثير القلق في هذه المرحلة، بحسب افتتاحية «نيويورك تايمز»، ان المسلك الجديد الذي يريد البيت الأبيض اتباعه يوحي ان إدارة بوش، في عجلة من أمرها لإعادة القوات الأميركية إلى البلاد. إلى درجة انها فقدت الاهتمام بوضع أسس الديمقراطية. فيما اعتبر موقع «أوكسفورد أناليتيكا» الأميركي على الأنترنت، انه على رغم غياب مظاهر الاقتتال الداخلي في عراق ما بعد صدام، مازال من المبكر جدا استبعاد قيام حرب أهلية عراقية. فالعراق مازال هشا وهو عرضة لحصول انقسامات طائفية قد تشعل فتيل حرب داخلية كبيرة. لكن غالبية المعلقين سخروا من ان الانتخابات الرئاسية في أميركا أنست الإدارة الأسباب التي شنوا الحرب على العراق من أجلها مثل الحرب على الإرهاب وأسلحة الدمار الشامل وسواها، والخوف على الأمن القومي الأميركي. كل هذا ستضعه الإدارة خلفها وتهرول إلى الأمام، خارج شعارات المرحلة العراقية.

وأشارت «واشنطن بوست» في خبر افتتاحي نقلا عن مسئولين في مجلس الحكم الانتقالي العراقي إلى أن إدارة الرئيس بوش، أطلعت زعماء المجلس على انها تنوي نقل سيادة العراق، بحلول الصيف المقبل، إلى حكومة انتقالية يختارها مندوبون يتم اختيارهم خلال اجتماعات تجرى في مختلف بلدات ومدن العراق. وأوضحت الصحيفة الأميركية ان الإدارة الأميركية تكون بذلك قد تخلت عن خطتها (السابقة) التي من المفترض أن يقوم العراقيون بموجبها بصوغ الدستور والمصادقة عليه ومن ثم إجراء انتخابات لاختيار حكومة دائمة قبل تسليمها السلطة. وأوضحت أن الاستراتيجية الجديدة تنص على نقل السيادة إلى حكومة انتقالية تقوم هي بالإشراف على وضع الدستور والدعوة إلى إجراء انتخابات لاختيار حكومة دائمة. ونقلت الصحيفة في هذا السياق عن بعض المسئولين في المجلس ان الخطة الجديدة التي لا تتضمن إجراء انتخابات قبل نهاية العام 2004 وحتى مطلع العام 2005، قد تثير الجدل في الأوساط العراقية. ولفتت واشنطن بوست، نقلا عن المسئولين أنفسهم، إلى أنه ليس واضحا بعد ما إذا كانت الاجتماعات التي ستجري في مختلف أنحاء العراق، ستعتبر شرعية أم لا غير انها أشارت إلى أن هذه الاجتماعات ستجري في مطلع العام المقبل وستشارك فيها شخصيات سياسية ودينية وعشائرية وأكاديمية وعمالية إلى جانب شخصيات مؤثرة. وأضافت ان المندوبين الذين سيتم اختيارهم خلال هذه الاجتماعات سيجتمعون في أواخر الربيع المقبل لاختيار أعضاء الحكومة الانتقالية التي من المفترض أن تتسلم السيادة العراقية من الأميركيين. أما الخطوة التالية فستكون إجراء انتخابات وطنية، وذلك بعد 12 إلى 18 شهرا يتم خلالها اختيار مندوبي المؤتمر الدستوري الذين سيعدون مسودة الدستور والتي من المفترض أن تتم المصادقة عليها خلال استفتاء شعبي. وفي حال حصل ذلك ستجرى انتخابات لاختيار حكومة دائمة كما ينص عليه الدستور الجديد. وأوضح المسئولون أنه على رغم وجود رغبة شديدة لدى الشعب العراقي بتسريع نقل السلطة، ثمة رغبة أشد لدى عدد كبير من العراقيين في اختيار زعماء جدد من خلال الانتخابات. وأوضح المسئولون عينهم ان الخطة قد كشف النقاب عنها الحاكم المدني الأميركي في العراق بول بريمر خلال الاجتماع الذي عقده مع الرؤساء الدوريين التسعة لمجلس الحكم في بغداد. وأضاف المسئولون أن الخطة حظيت بتأييد الرؤساء. ورجح المسئولون أن يعلن لرؤساء المجلس عن الخطة خلال الأيام المقبلة على انها خطة وضعها الرؤساء وليس بريمر.

وكتبت «نيويورك تايمز» افتتاحية تحت عنوان «السياسة الأميركية في العراق في أزمة». إذ رأت ان استدعاء الحاكم المدني الأميركي بول بريمر، إلى واشنطن، على وجه السرعة لإجراء مشاورات طارئة في البيت الأبيض، يدل أكثر ما يدل على ان جرس الإنذار قد قرع وسط صانعي السياسات الأميركيين. وأضافت ان القلق قد اشتد أكثر بعد تفجير مقر الشرطة العسكرية الإيطالية في العراق، ومقتل 17 إيطاليا و9 عراقيين. وذكّرت الصحيفة الأميركية ان المسئولين في الإدارة الأميركية ابتداء من الرئيس بوش، يمارسون ضغطا على بريمر، من أجل الإسراع في نقل السيادة إلى المسئولين العراقيين المعيّنين ومن أجل تقليص الجدول الزمني المحدد لإجراء الانتخابات. غير ان «نيويورك تايمز»، اعتبرت ان تقليص الوقت اللازم لوضع دستور وإجراء انتخابات عادلة في عراق مضطرب، هو أكثر ما يثير القلق في هذه المرحلة. وتابعت ان المسلك الجديد الذي يريد البيت الأبيض اتباعه يوحي ان إدارة بوش، في عجلة من أمرها لإعادة القوات الأميركية إلى البلاد. إلى درجة انها فقدت الاهتمام بوضع أسس الديمقراطية. وأضافت أن الرئيس بوش، سيبدو مضحكا في حال استعجل إجراء انتخابات في العراق، كي يحسن حظوظه في الانتخابات الرئاسية الأميركية. واقترحت الصحيفة في ما اعتبرته أفضل طريقة لحل الأزمة السياسية في العراق، نقل السلطة السياسية إلى الأمم المتحدة. وأوضحت أن المنظمة الدولية، لديها خبرة واسعة في مجال وضع الدساتير وإجراء انتخابات عادلة. وأضافت ان إنشاء إدارة سياسية بقيادة الأمم المتحدة في العراق، من شأنه أن يكون عامل جذب لقوات حفظ السلام الدولية وهو ما بات أمرا ضروريا لا سيما بعد الاعتداء على مقر الشرطة العسكرية الإيطالية في العراق. وختمت بالقول ان انسحاب القوات الأميركية من العراق على وجه السرعة سيترك هذا البلد مفتوحا أمام «الإرهاب» وسوء الحكم اللذين شن البيت الأبيض الحرب على العراق من أجل الوقاية منهما.

ولاحظ موقع «أوكسفورد أناليتيكا» على الإنترنت ان الولايات المتحدة فشلت في إيجاد مناخ ملائم لقيام نظام حكم عراقي شرعي ودائم، وذلك بسبب تقصيرها في ضمان الأمن والسلام. من هنا رجّح الموقع أن تتغير السياسة المتبعة في العراق بشكل جذري خلال السنتين المقبلتين. وعرض 4 احتمالات لمسار الحوادث المتوقعة في العراق. الاحتمال الأول أن تحكم الولايات المتحدة، سيطرتها على عراق ما بعد الحرب أي أن تبقى قوات الاحتلال الأميركية في الأراضي العراقية وترسي هدوءا نسبيا في المناطق الشمالية والجنوبية، ثم تحسِّن الأداء الاستخباراتي في المثلث السني شمال بغداد، وصولا إلى تهدئة الأوساط الغاضبة في هذه المنطقة. الاحتمال الثاني أن تنتقل مسئوليات الأمن في العراق إلى الأمم المتحدة. خصوصا انه من غير المؤكد ما إذا كانت الولايات المتحدة قادرة على تنفيذ التزاماتها الإنسانية والمالية في العراق، وبما ان الانتخابات الأميركية قد تترك انعكاساتها على السياسة الأميركية في هذا البلد، رجح الموقع أن يجد البيت الأبيض نفسه في حاجة ماسة لإيجاد مخرج من المستنقع العراقي. وتوقع أن يكون المخرج الأفضل من المأزق الأميركي هو تسليم المسئوليات العراقية إلى الأمم المتحدة بمختلف وكالاتها. الاحتمال الثالث قيام حكم عراقي. ورجح الموقع حصول ذلك إذا استمر عدد القتلى في صفوف القوات الأميركية في الارتفاع وإذا اقتنعت الولايات المتحدة، بأنه لا بد لها من إعطاء شرعية أكبر للمؤسسات العراقية وخصوصا إلى مجلس الحكم الانتقالي. ورأى الموقع ان هذا الاحتمال قد يتحقق في حال تحقق الاحتمال الثاني أولا، أي في حال تسلمت الأمم المتحدة زمام الأمور، ثم تنبهت المنظمة الدولية إلى ضرورة تسليم العراقيين مسئولية الاهتمام بشئون بلادهم. الاحتمال الرابع أن تعم الفوضى العارمة في الداخل العراقي. وأوضح انه على رغم غياب مظاهر الاقتتال الداخلي في عراق ما بعد صدام، مازال من المبكر جدا استبعاد قيام حرب أهلية عراقية. فالعراق مازال هشا وهو عرضة لحصول انقسامات طائفية قد تشعل فتيل حرب داخلية كبيرة.

وختم أوكسفورد أناليتيكا، بالقول إن احتمال تقلّب الأوضاع في المجتمع العراقي يجعل من الصعب جدا توقع أي احتمال من الاحتمالات السابقة سيتحقق في العراق في المستقبل. ولكنه رأى ان الاحتمال الثالث أي نقل السلطات إلى العراقيين أنفسهم هو الأفضل لأنه يفسح المجال أمام قيام كيان سياسي عراقي سيزداد متانة مع مرور الأيام.

ونقل دوغلاس جيهل في «نيويورك تايمز»، عن مسئولين في الحكومة الأميركية ان وكالات الاستخبارات الأميركية جمعت مجموعة كبيرة من الأدلة على أن جهاز الاستخبارات العراقي قد وضع الخطوط العريضة لـ «حرب العصابات» التي تشن ضد القوات الأميركية في العراق، قبل الغزو الأميركي لهذا البلد. وأوضح المسئولون ان هذا التصور قد تشكل خلال التحقيق مع المسئولين العراقيين السابقين الذين يحتجزهم الأميركيون ومن خلال التدقيق في بعض الوثائق التي عثر عليها في العراق. وأوضح مسئول أميركي بارز من معارضي الحرب على العراق، أن الاستنتاج بأن «التمرد» الذي يشهده العراق اليوم قد تم التخطيط له قبل الحرب، سيسلط الضوء مرة أخرى على الفشل الاستخباراتي قبل غزو العراق. في المقابل نقل جيهل، عن مسئولين آخرين في الحكومة الأميركية ان التصور بأن «التمرد» قد خططت له الحكومة العراقية السابقة قبل الغزو الأميركي للعراق، يبقى مجرد نظرية.

وتناول جورج فريدمان في «غلوبل إنتلجنس» (مركز الدراسات الاستراتيجية والجيوسياسية) المأزق الأميركي في العراق، في مواجهة ما أسماها «حرب العصابات». ورأى ان الوضع العسكري في العراق مستقر نسبيا ولا بأس به، غير ان الوضع السياسي ليس كذلك. وأوضح أن فشل إدارة الرئيس بوش، في التنبؤ باحتمال اندلاع «حرب عصابات» في العراق، إلى جانب عجزها عن وضع استراتيجية فعالة لإنهاء الحرب، قد أضعف هذه الإدارة إلى أبعد الحدود. فـ «حرب العصابات» قد ألحقت ضررا كبيرا بصورة الولايات المتحدة، لا سيما في العالم الإسلامي. فبدلا من أن تفرض الإدارة الأميركية مبدأ «الصدمة والرعب»، عجزت قوات التحالف عن وضع حد للميليشيات العراقية وهو ما أقنع الإسلاميين بأن الولايات المتحدة قادرة على دحر قوات تقليدية غير انها عاجزة عن التعامل مع قوات غير تقليدية أو مع الميليشيات. ومن هنا ولدت قناعة لدى الإسلاميين بأنه يمكن هزيمة الولايات المتحدة مع الوقت من خلال الصبر والقدرة على تحمل الخسائر البشرية. وإذ لاحظ فريدمان، ان مجلس الحكم الانتقالي لا يملك شرعية مؤسساتية في العراق، ولا يشعر بأية رغبة في خدمة القضية الأميركية لا سيما ان التطورات العسكرية تبدو في غير صالح الولايات المتحدة، رأى ان بدائل مجلس الحكم الحالي، موجودة ضمن الغالبية الشيعية التي ترغب في القضاء على الميليشيات السنية مثلها مثل الولايات المتحدة كما انها تعارض عودة الرئيس العراقي السابق إلى الحكم أو نشوء حكم وهابي بأي شكل من الأشكال تماما كما تفعل الإدارة الأميركية. غير ان فريدمان، استدرك قائلا ان إقامة جهاز حكم من الشيعة يعني بالتالي إنشاء دولة عراقية شيعية تدعمها إيران، وهذا آخر ما تتمناه الإدارة الأميركية. إلاّ أنه عاد وأكد انه لم يعد أمام الرئيس بوش، سوى هذا الحل. وتساءل في ختام مقالته عما إذا كان الشيعة سيعتبرون أنفسهم محظوظين من الآن فصاعدا؟

العدد 437 - الأحد 16 نوفمبر 2003م الموافق 21 رمضان 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً