العدد 437 - الأحد 16 نوفمبر 2003م الموافق 21 رمضان 1424هـ

سم في العسل

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

التخبط الأميركي في مختلف الملفات العراقية والفلسطينية والسورية والإيرانية وحتى السعودية، يشير في النهاية إلى وجود مأزق حقيقي في سياسة واشنطن الدولية وتحديدا تلك القضايا المتعلقة بما يسمى دائرة «الشرق الأوسط». الا أن ذاك المأزق في تعبيراته المختلفة لا يدل، حتى الآن، على وجود تغيير جوهري في الاستراتيجية العامة.

وباستثناء الانقلاب الذي أحدثه الرئيس جورج بوش بالنسبة الى كلامه عن نشر الديمقراطية في العالمين العربي والإسلامي واعتذاره المبطن عن دعم أسلافه للديكتاتوريات لا وجود لتغييرات نوعية في الرؤية العامة حتى حين تظهر تصريحات المسئولين متعارضة وغير متوافقة في تفصيلاتها اليومية. فأحيانا نسمع ملاحظات من مسئولين عدة غير منسجمة مع بعضها بعضا. فوزير الخارجية كولن باول يقول اليوم ويعارض قوله وزير الدفاع دونالد رامسفيلد في الغد. وكلام الرئيس أحيانا لا يتوافق مع كلام يصدر عن نائبه ديك تشيني. وهكذا دواليك.

كل يوم نسمع قصة جديدة ومختلفة عن تلك التي قيلت في اليوم السابق. فالعالم فعلا في حيرة من ضياع الاستراتيجية الأميركية في متاهات وتفصيلات غاب عنها الجوهري لمصلحة عناصر ليست بالضرورة هي أساس مشكلات الأمن في العالم.

هناك مشكلة إذن، وأساسها عدم وضوح الرؤية. فالإدارة الأميركية كما يلاحظ في حالات كثيرة تتخذ قرارات متوترة وغير مدروسة تلجأ إليها اضطرارا كوسيلة من وسائل الهروب إلى الأمام بينما يكون الواقع يتطلب لحظة توقف وتأمل وربما بعض الانكفاء والتراجع عن سياسة هجومية خاطئة.

الاعتراف بالخطأ فضيلة وليس عيبا اذا اعترفت دولة كبرى، مثل الولايات المتحدة، بأخطاء فادحة ارتكبتها ضد العرب والمسلمين طوال 60 عاما من القهر والإذلال. العيب ان تستمر واشنطن في سياستها مستغلة الضعف العربي وعدم قدرة المسلمين على التوحد دفاعا عن وجودهم ومصالحهم.

الاعتذار الذي قدمه بوش ليس كافيا. فالشعوب العربية لم تلمس منه سوى المزيد من الخراب والدمار بدءا من أفغانستان وفلسطين وانتهاء بالعراق ويريد الآن من الشعوب الوقوف معه لاستكمال مهمة تطوير الهجوم على سورية وإيران وربما السعودية.

أي اعتذار هذا قدمه بوش ويريد من الشعوب العربية والمسلمة قبوله والسكوت عن ما مضى والاندفاع مجددا مع القوات الأميركية للاقتصاص أو أخذ الثأر من أنظمة أسهمت واشنطن في دعمها وتقويتها وتغذيتها بالسلاح والمال.

هذا الكلام عن الديمقراطية غير مقبول، لأن القصد منه هو زعزعة الاستقرار وتعميم الفوضى ونشر العنف تمهيدا لخراب المنطقة ودمارها كما ألمح باول في خطاب له يفسر فيه معاني الكلمات التي وردت في تصريحات بوش عن نشر الديمقراطية في المنطقة العربية.

أبسط شروط نشر الديمقراطية هو السلم وليس الحرب، كذلك أقصر طريق لها هو التشجيع على تحقيق المصالحة (التسوية التاريخية) بين الدولة والمجتمع. ما ينقص العالم العربي (والإسلامي أيضا) هو ذاك الانقطاع بين الدولة (النخبة) والمجتمع (الأهل) والديمقراطية لا تقوم قبل تجسير تلك العلاقة بين الطرفين. والمشكلة في الكلام الأميركي عن الديمقراطية انه يعتذر عن دعم واشنطن للدول ضد شعوبها ويطالب اليوم الشعوب بالنهوض ضد دولها. وهذا لا يحقق الديمقراطية بل يسهم في نشر الخراب في المنطقة العربية.

السياسة الأميركية لم تتغير في جوهرها. ما تغير فقط هو الأساليب والأدوات بينما الاهداف لاتزال كما هي: تعميم الفوضى والتحريض على العنف وزعزعة الاستقرار.

واذا صدقنا كلام بوش عن الاعتذار والتغيير فان النتيجة واحدة. في السابق دعمت واشنطن وطوال 60 عاما الدول لمحاربة مجتمعاتها والآن وبعد 60 عاما من مطاردة الشعوب تطالب إدارة البيت الأبيض المجتمعات بمحاربة دولها ومطاردتها.

انها لعبة خطيرة وربما المقصود منها توريط الناس والعباد في أحلام يقظة يراد منها تمرير مشروعات سياسية تصب في النهاية في مصلحة الولايات المتحدة التي أوكلت مصيرها لمجموعات شريرة في «البنتاغون» وتل أبيب.

الديمقراطية العربية ليست أوراقا للتسلية وانما هي مهمة اساسية تطالب بها الكثير من الهيئات والجمعيات والمؤسسات والأحزاب اضافة الى انها باتت حاجة للمجتمع الأهلي حتى يستعيد ثقته بنفسه ويتخذ المبادرات الضرورية لتحقيق التقدم... ولكن هذا الأمر لا يتم عبر «التخبط الأميركي» وانما من خلال وعي ضرورة تحقيق المصالحة التاريخية بين الدولة والمجتمع. أما الكلام عن تسعير الحرب بين الطرفين فانه من نوع دس السم في العسل

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 437 - الأحد 16 نوفمبر 2003م الموافق 21 رمضان 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً