ليس غريبا على بعض مثقفينا العرب ان يدفعوا باتجاه تقليص الحرية أو المطالبة بوضع حدود لها فبقدر ما تقيد هذه الصفوة حدود الحرية بقدر ما تزداد هذه الصفوة سمنة وكروشا ومرتفعات.
ليس غريبا ان تجد كتابا بحرينيين أو كاتبات بحرينيات يطالبن بتقليل جرعات الديمقراطية خوفا من ان يشرق الناس بها وعلى حد تعبير شاكر النابلسي في كتابه الجميل «السلطان» «فالديمقراطية كالدواء - كما تراها هذه النخب المنتفعة - يجب ان تعطى بالتدرج للمرض فزيادتها قد تؤدي إلى التسمم والموت لا سمح الله» حفظ الله الجميع من الديمقراطية، فهناك من صفق لقانون تنظيم الصحافة، وهناك من اعتبره «انجازا» و«مكسبا حضاريا» و«يوما تاريخيا». بدأ القانون يتغير، ونتمنى تغيره فبتغير الايقاع «المكسبي»، فأصبح لنا يومان تاريخيان على رغم انهما متناقضان طبعا هذه المواقف تتكرر كثيرا لدى بعض نخبنا الافاضل، ومن يحملون مع ثقافتهم العملاقة قلوبا حنونة على الوطن ومتوجسة من جرعات الحرية الزائدة. وهذا حقهم إذ القول المأثور «رب أكلة منعت أكلات». فمن حقهم ان يخافوا على الناس من تخمة الحرية وسمنة الديمقراطية قد تؤدي إلى ارتفاع سكر المعارضة في الدم أو ضغطا زائدا فتؤدي إلى جلطة قد تنتهى بحال طوارئ. ألم ينصح اشباه هؤلاء الرئيس حسني مبارك عندما زار احد معارض الكتاب في مصر... فانبرى اليه بعض المثقفين المصريين وراحوا يطالبونه بتقليل جرعات الديمقراطية. يالطيف الطف بنا المصدر كتاب «المفترون». لفهمي هويدي.
اذا ليس غريبا ان الرقم الكريم «سي سيد»: 99,999 يخوف الحاجة جملات «المعارضة» خصوصا اذا كانت اصحاب الانتلجنسيا أكثر الناس توجسا من الحرية. وبفضل هذه الثقافة الحنونة أصبح الواقع مزريا. فلا عجب فظاهرة غسل الاموال أصبحت ظاهرة عربية والفساد المالي وصل حتى إلى القضاء، وأصبح القضاة يتحدثون عن سوق العقارات وعن البورصة «فالدنيا أولى بها أبرارها لا فجارها» ومن سعادة المرء ان يحصل على «المرأة المطيعة والدار الوسيعة والدابة السريعة» «والكرشة الرفيعة».
فليس غريبا اذن ان تلاحق الدولة المغربية - بعد أن بلغ السيل الزبى - قضاتها لمعرفة حجم العقارات وكيف يتم استغلال القضاء أيضا للثراء السريع.
كان هتلر يقول: كلما سمعت كلمة ثقافة تحسست مسدسي. مات هتلر لكنه ترك وراءه نازيته والغريب انها تسربت فأصبحت نشويات ثقافية تزيد «الصفوة» سعرات حرارية فلا يتحسسون مسدسهم فقط بل حتى بطونهم. فهل يختلف اثنان ان هناك مثقفين أصبحت الكتابة بالنسبة لهم رشوة علنية اذا ما علت تحولت إلى وشاية سياسية يهدف من خلالها دس اسفين بين السلطة والمجتمع فيعملون على تسميم العلاقة بكتاباتهم. لنا الحق في ان نحلم بديمقراطية كالسويد وكبريطانيا بما يتناسب مع ديننا من دون ان يتخذ ذلك ذريعة لافراغها من مضمونها الحقيقي وهو حق الرقابة وحق نزاهة الاقتراع. في الدول الغربية الوزير يخاف الناس ويصبح الناس متفضلين عليه إذ أصبح خادما في وزاراتهم وحصل على امتيازات الوظيفة التي تأتي بعض مخصصاتها من الضرائب التي يدفعونها من عرق جبينهم لذلك اذا اخطأ الوزير يحاسب ويفضح في الصحافة واذا رآه الناس في شارع عام القوا عليه البيض الفاسد، ويطالبونه مرددين «سنع وزارتك». وينقل احد الكتب السياسية ان ثاتشر في آخر يوم لها في الحكومة سلمت كل شيء بما فيها سيارة الحكومة واستقلت «تاكسي» في الطريق ورحلت. تهانينا
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 436 - السبت 15 نوفمبر 2003م الموافق 20 رمضان 1424هـ