العدد 436 - السبت 15 نوفمبر 2003م الموافق 20 رمضان 1424هـ

تقسيم العراق

فايز سارة comments [at] alwasatnews.com

.

تكرر في الايام القليلة الماضية الكلام عن تقسيم العراق، وجاء هذا الكلام على الأقل من جانب اثنين من قادة العرب المعنيين بموضوع العراق بصورة مباشرة، بلد احدهما مجاورة للعراق والثاني رئيس لأكبر دولة عربية.

والحق فان الكلام عن تقسيم العراق ليس امرا جديدا، وهناك مشروعات طرحت نفسها بقوة منذ بداية الثمانينات، وتوالت على مدار العقدين الاخيرين، وقد ركز اهم هذه المشروعات على قول احتمال تقسيم العراق الى ثلاث دول، تكون أولاها كردية في الشمال، والثانية عربية سنية في الوسط، والثالثة عربية شيعية في الجنوب، وبطبيعة الحال، فان تقسيم العراق الى دول، كان يعني تحوله الى دول متناقضة متعادية، تستمد اساس اختلافها وتصارعها من طبيعة العراق في تكويناته الفسيفسائية القومية والدينية والطائفية، اضافة الى ما رسخته السياسات الداخلية في العراق من صراعات داخلية في التكوين الديمغرافي العراقي، وما افرزته التطورات الاقليمية من تأثيرات على العراق، ولاسيما الثورة الاسلامية في ايران.

غير أن التطورات التي شهدها العراق منذ الثمانينات وحتى الحرب الأميركية - البريطانية عليه في ابريل/نيسان الماضي، لم تؤد الى انقسام في العراق، وحتى الاكراد في شماله، لم يستكملوا اقامة كيانهم الذي اقيم في خصوصيات شديدة في اوضاع معقدة، جاءت بعد حرب الخليج الثانية 1991، كان ابرزها الرعاية السياسية والعسكرية الاميركية للكيان الكردي، التي وصلت حد حمايته في نطاق منطقة الحماية الدولية.

غير ان حال الكيان الكردي في شمال العراق سرعان ما استعادت امتدادها العراقي خلال الحرب الاخيرة، واندمج القادة الاكراد بمن فيهم دعاة الانقسام الكردي في مشروع عراق المستقبل، وقد تولى رئيس الاتحاد الديمقراطي الكردستاني جلال طالباني رئاسة مجلس الحكم العراقي، وسيأتي وقت لاحق ليتولى زعيم الاتحاد الوطني الكردستاني مسعود برزاني رئاسة المجلس لاحقا في اطار الرئاسات الدورية لمجلس الحكم.

واذا كان من مدلول لمشاركة القادة الاكراد في صوغ مستقبل العراق من معنى، فان المدلول يعني في احد جوانبه، ادراكهم بانه لا مستقبل لكيان كردي منفصل بصورة كلية عن العراق، وهو امر لا تؤيده تجربة ما بعد حرب الخليج الثانية فقط، بل يدعمه واقع ان الدول الاقليمية المجاورة للعراق وخصوصا سورية وايران وتركيا، تعارض بقوة موضوع قيام دولة كردية في شمال العراق، وهي معارضة لا تتصل فقط بالفضاء الجيوسياسي للمنطقة، بل باحتمال قيام تمردات كردية في هذه الدول التي تضم بين سكانها اقليات من الاكراد، قد يندفعون للانضمام الى الدولة الكردية المحتملة، أو قد يرغبون في قيام دولة كردية، تخصهم من خاصرة الكيان الذين يعيشون فيه، ولهذه الاسباب وغيرها، فقد اكدت الدول الاقليمية الثلاث في اجتماعاتها، التي عقدت منذ العام 1998 تمسكها باصرار على وحدة الكيان العراقي على رغم كل الاختلافات القائمة في سياساتها حيال العراق وقضايا المنطقة.

ومعارضة كل من ايران وسورية وتركيا لقيام دولة كردية في شمال العراق، تقاربه معارضة دول اخرى تجاور العراق لقيام دولة عربية شيعية في جنوب العراق، وامر كهذا يعارضه الاردن وكذلك المملكة العربية السعودية، والكويت، لان خطوة كهذه قد تطرح مستقبل الاقليات في بعض هذه الدول ونزوعها للقيام بخطوات تماثل ما يمكن ان يقوم به الاكراد في الشمال العراقي، وقد يكون التعبير الواضح عن معارضة هذه الدول لتقسيم العراق، الاعلان المشترك الذي احتواه البيان الختامي لدول الجوار العراقي الذي انعقد في دمشق حديثا من حيث تأكيده الحرص على وحدة العراق ورفض أي مساس بوحدته.

وعلى رغم اهمية المعارضة الاقليمية لتقسيم العراق، فان العوامل العراقية الداخلية هي الاخرى تدفع باتجاه تأكيد وحدة العراق، وقد ظهر الامر واضحا بعد الحرب الاخيرة. اذ انطلقت هتافات مدوية في عموم العراق تنادي بوحدة السنة والشيعة، وثمة مبادرات سياسية مشتركة بين عرب العراق وأكراده من أجل صوغ موحد لعلاقات الجانبين في اطار عراق موحد، يضاف الى ذلك واقع، ان مجلس الحكم العراقي، ومن دون الدخول في شرعيته، هو تعبير متوافق عليه على تآلف الطيف العراقي على التعايش ومحاولة صوغ مستقبل واحد لكل العراقيين.

واذا كانت هذه الوقائع تبدو واضحة في مواجهة الكلام عن تقسيم العراق واحتمالاته، فان القول بتقسيم العراق هو مجرد احتمالات ذات طبيعة مستقبلية ليس الا، واذا كان الامر كذلك، فان هذه الاحتمالات ستحتاج إلى مزيد من الوقت والظروف المناسبة لان تتحقق، والسؤال هل سياسة الاحتلال في العراق ستساعد في الوصول الى هذه الاحتمالات؟

ان سياسة الاحتلال الاميركي - البريطاني في العراق، كما تظهر في الأشهر السبعة الماضية، كرست انهيار الكيان العراقي، كما هو حال السياسة التدميرية التي اتبعت خلال الحرب، وهذا يؤدي في احد جوانبه الى تقسيم العراق لاحقا، لكنه في الاهم منه قد يقود الى تفتت العراق على نحو ما حصل في الصومال، وهذا يعني ان واقع الحال العراقي، قد يقود الى ما هو اسوأ بكثير من تقسيم العراق

العدد 436 - السبت 15 نوفمبر 2003م الموافق 20 رمضان 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً