العدد 436 - السبت 15 نوفمبر 2003م الموافق 20 رمضان 1424هـ

هل ثمة علاقة متوترة بين المثقف ورجل الدين؟

من الجدليات التي بدأت تطفح على أرض الواقع من جراء تفاعلات اجتماعية وفكرية وسياسية، «علاقة رجل الدين بالمثقف»... تلك العلاقة الفكريــة التي تــغلب فيها آراء وتطرح في شئونها آراء أخرى متضادة.

قد تبدو لغة الجدل حذرة في هذا الشأن، وقد تبدو مخيفة... مرهقــة. وربما عقيمة لا تلد فائدة... وتلك اللغة بتلكم التوصيفات ليست لفئة دون أخرى، إذ قد يوهم البعض بأنها وبتلك المواصفات تكون فقط لنقاد العلاقة (الخــطأ) المتشكلة بين المثقف ورجل الدين... لكن الأمر يتعدى ذلك ليصل أيضا إلى المناصرين الذين يؤكدون تقديم رجل الدين (ككيان) على المثقف في إدارة القرار واتخاذه وموقعه المتقدم على الآخرين وذلك لأن كلتا الفئتين لديها جاذبية لا إرادية للمشكلة، فمثلا: لا يستطيع النقاد - لموقع رجل الدين (المطلق) أمام المثقف - أن يتحدثوا في هذا الشأن لأنهم سيؤطرون في برواز (الخيانة) ويقصون لزاوية (الكفر) وإن كان نقدهم لأجل إصلاح ذات البين «بين المثقف ورجل الدين».. وكما هـو حاصل لتلك الفئة - الناقدة - فإن الفئة الأخرى - المناصرة - لا تعدو مستريحة من تأنيب ضمير الواقعية، فالذين يقرون بأن رجل الدين (أيا كان) يقدم في كل المواقع - الفكرية - أولئك سيقعون في مأزق الخوف من مجابهة الواقع... لأن رجل الدين (حاليا) لا يستطيع - وبكونه إنسانا - أن يعطي في كل المجالات المترامية، وتقديمه في كل شيء مجازفة معرفية وظلم له وللآخرين.

هنا تبرز الحاجة إلى إعادة القراءة في تلك العلاقة، لاسيما بعد تدفق المعرفة وخروج الهالة الفكرية من حدود الضيق إلى الأفق الرحب...

ولقراءة العلاقة بين ذينك الكيانين، لابد من تنظيف الصفحة المقروءة من غبار العاطفة الخانق، ويجب أن تكون السطور منقــوطة بنقط الواقعية... كما لابد من وجود القارئ المنصف الذي يـُـمنطق قراءته بالحيادية.

رجل الدين (ككيان) وإن كان يملك رصيدا غنيا في التاريخ بثـقله وأهمية دوره في المجتمع، إلا أن القراءة يجب أن تسلط موضوعيتها على المفارقة بين رجل الدين (سابقا) ورجل الدين (حاليا) وتقرأ - تلك الموضوعية - العلاقة من منطلق عدة أمور هي: أولا: تغيـــر الزمــــان، ثانيا: ولادة تخصصات جمة من رحم التطور المعرفي الهائل، ثالثا: اندفاع الكثيرين إلى رحاب العلم (بشتى مجالاته) حتى يصيروا خبراء.

كل تلك الدواعي تفرض نوعا من المغايرة في العلاقة التي من المفترض أن يعترف بها رجل الدين، ويقرها المجتمع ولا يتعداها المثقف... فتغير الزمان الذي كان فيه رجل الدين وحده المتعلم في قريته أو مدينــته.. وولادة التخصصات التي تجعل من المثقف السياسي (مثلا) أكثر كفاءة من رجل الدين السياسي على سبيل المثال (ليس في كل الأحوال طبعا)، واندفاع الأجيال إلى قطف ثمرة العلم من مناهلها، كل ذلك يجعل ويفرض إقرارا بأن المثقف المتخصص ربما يفوق رجل الدين المتخصص في شأن ما... وقول «ربما» هنا لأنه ليست كل الحالات يتفوق فيها المثقف المتخصص على رجل الدين. لكن كل تلك الدواعي والأسباب ســــتـُــنزل كفة الرجحان لصالح المثقف لأن الكون مفطور على الأسباب... فإذا عكف أحد المثقفين على مجال ما وراح يسترسل في نهله لذلك المجال بشكل كبير جدا... سيفرض حتما نفسه على رجل الدين المعتني بالمجال ذاته (على الأغلب)، ذلك لأن رجل الدين لا يستطيع أن يتخصص... لكون تخصصه الأول فقه وشريعة... ووظيفته الاجتماعية (التقليدية) من تزويج وتطليق وعظة و... و... الخ، ستحد من إطلاعاته.

فمن هنا نتساءل: لماذا لم يراع المجتمع الإسلامي حق المتخصصين في قبال رجال الدين؟

هذه ليست دعوة إلى إسقاط ذلك الكيان، وإنما عدل بعدم إجحاف ذوي التخصصات والثقافات العليا... ودعوة إلى عدم شرنقة إدارة المجتمع والقرار بيــد كيان واحد وإن كان له احترامه الكبير.

رب مستنــفر يقول: ماذا عن الســيد الصدر (مثلا)، الذي أثرى الاقتصاد والفلسفة باعتباره متخصصا عاليا جدا.. وماذا عن مطهري الذي أغنى الساحة الفكريــة/الفلسفية بشكل لافت للعيان، وماذا عن... الخ... هنا يأتي ماء الدقة ليطفئ نار الاستنفار وذلك عن طريق القراءة الصحيحة (التي أركز عليها دائما)، فتلك القراءة إن وجدت لن تنفي نواجــز الفقــهاء والمفكرين... وهذه الدعوة ليست إلى إسقاط كيان معين - كما سبقت الإشارة - بل هي لفته نحــو بعض المجتمعات التي تدار من قبل رجال دين عاديين (ليست فيهم صفة النوابغ) وتطغي تلك الإدارة على آراء المثقفين، والذيــن يهمــشون كليــا لفئة العوام (قرى الجزائر النائية مثالا).

وهذا الأمر لن يتحقق إلا بتفهم المجتــمع ذاته لواقعية المسألة... ولتفــهم المجتمع لطبيعة العلاقة المفترضة بين المثقف ورجل الدين، ولتدارك اللغط الموجود... يجب أن تــُـقرأ طبيعة علاقة المجتمع بالمثقف





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً