العدد 436 - السبت 15 نوفمبر 2003م الموافق 20 رمضان 1424هـ

فنتازيا الفرار

«الزنازين الزجاجية»

إلى الشعب العراقي.. شعبا مستحيلا

الليل عباءة الهاربين..

وعلى جدار الطين أسندنا خرق البلاء المتراكم منذ الحرب قهرا، عواء الذئاب موسيقى الليل و نواح المفجوعين، ساخرا قال الرفيق : «لن أخشى على أحد ، صفوا كل أهلي»

تذكرت المرأة و الطفل.

ودعتني، و طريا على رغم الجوع ما يزال زندها الذي تغطى بطرف كم قميص نومها الشذري، ناولتني الطفل مبسملة، استبشرت حين ابتسم لي، فطمأنتها قائلا: بعض الثياب.... سنعود قريبا.

العبد الأسود سيد القافلة مبهرج الألوان كطاووس محترق، عثرت بين الخرائب الواقفين نحن عندها على سلك رفيع، جحظت عيون رفيقي إذ أسررت إليه بفكرة فقلت: «لا تخف من خلف ظهره و أشد عليه»، حذرني: «أنت ضئيل و هذا العبد حائط».

اختنق السلك بين طيات الشحم و ارتجف الغول ذو العمامة البرتقالية، فارتعشت يدي وما قدرت، قلت: «لا تخف، لن أؤذيك، لكن لن أتركك».

الفجر قافلة المهاجرين، اجتزنا نباح الكلاب وخففت رائحة الموت لكن ما تلاشت، لاح لنا خزان الحمض الحارق على حافة الطريق فوق الهضبة، غضضنا أبصارنا واجتزنا المهلكة.

سلمنا الطاووس إلى لجنة القمصان البيضاء، استقبلونا ووضعونا في صناديق زجاجية طافت بنا أسواق الملجأ حتى المقر الدائم للمنظمة، نظر الرئيس في ساعته «الرولكس» ثم قال: تأخرتم؟

رد عليه المكلف بنا: أعدادهم كثيرة، اقتربت من عامل كان يرمم السور، سألته: ماء؟

اعتذر وقدم لي زجاجة «كوكاكولا» وسيجارة

الصباح الثالث لا شربت ولا حلقت، «الإنسان يعيش مرة واحدة» واستدرك ويموت كل ساعة بلا جدوى، ثيابي المغبرة تثير سعال مندوب اللجنة ويحاول أن يداري اشمئزازه كرامة لمشاعري التي ذبحت منذ الذي كان يسمى وطن، خذ راحتك فقد دفنت كرامتي مع بكري الذي عصره السعال/ ملعقة الدواء المستحيلة... حاول الطبيب لكن...

وزع المندوب ملفات خضراء - حسبتها جوازات سفر - تخولنا لحضور مؤتمر (البحيرة العظيمة).

سألته عن الأقلام فابتسم وبان نقش الجمجمة والعظمتين على أسنانه وما أجاب، فتحت الملف وما كانت به أوراق؟!

خرجت مهرولا للبحيرة إذ رحت في الكابوس، ركضت في ممرات الملح حافيا، سيدة عملاقة تلبس حذاءها على رأسها وقدماها معدنيتان، صدمتها فسبت أهلي، تجاهلتها وعلب الحليب والجبن واللحم المحفوظ التي تناثرت مع السباب من فيها، وركضت على رغم تحلل قدمي وخلفي كلب حارس الغابة «الوولف» حسبني لصا لولا أن شم فيّ رائحة الذل فتركني وعاد لسيده في الحانة التي أسمع أن بدرية ابنة بائعة الخضار - في حينا الذي كان - تغني فيها.... تأخرت أدري.

وصلت المؤتمر، أضم الملف لصدري وقلم أخرجته من عتيق متاعي معلق فوق أذني السليمة، كان كل شيء يلمع... البحيرة... الأشجار... صلعة الرئيس والكل يصفق.

حملوا علبا بلاستيكية ورحلوا تاركين الضباب على المقاعد وهبط الليل.

الليل عباءة الهاربين، سالت صاحبي: «ما أعطوكم ماء، ولا أوراق ونكتب عليها؟!»

قال الرفيق: قنينة «جين» وصفقوا





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً