أمس وأمس الأول شهد تحرك لأهالي جنوسان على مستوى الاعتصام بعد أن تراسلوا مع وزارة الاسكان لعدة سنوات محاولين حل الالغاز التي تحيط بطريقة استقطاع اراضي قريتهم وطريقة توزيع القطع الاسكانية على اناس من خارج القرية على رغم ان هناك طلبات من الاهالي تعود الى العام 1981. بعض اهالي القرية والقائمين على الصندوق الخيري حاولوا جاهدين الحصول على ايضاح من المسئولين عن انعدام العدالة في السياسة الاسكانية، ولكنهم لم يحصلوا على رد سوى ان «الطيور طارت بأرزاقها»، وما على الاهالي إلا الحسرة والندامة انهم ليسوا من تلك الطيور التي حلت بواديهم وحصلت على ارزاق كانت القرية بانتظارها منذ أكثر من عشرين عاما.
جنوسان التي تعتبر مع كرانة وعدد من القرى الاخرى «جنة الانسان» قديما أصبحت «جهنم الحرمان» في عصرنا، فلقد اختفت المزارع والنخيل والثمار وقامت محلها الفلل السكنية التي لا يستطيع الاهالي الاقتراب منها لأنها فوق مستوى معيشتهم بعشرات المرات. المزارعون بدأوا بيع مزارعهم في الثمانينات والتسعينات بعد ان اصابهم الفقر لانعدام المردود المربح من الزراعة، وتسلموا اموالهم القليلة (مقارنة مع ما كانوا سيحصلون عليه اليوم فيما لو احتفظوا بأراضيهم) وقوقعوا في بيوتهم القديمة داخل القرية. وسرعان ما اختفت القرية الى بؤرة صغيرة فقيرة ورقعة كبيرة تحيط بها القصور من كل جانب، بينما ينظر الآباء إلى ما وصلت إليه أراضي جنتهم سابقا، والتي أصبحت جنة غيرهم وتحولت حياتهم الى حسرة.
وهكذا تبدأ لنا مشكلة الاسكان بالظهور على السطح بقوة لانها ازدادت سوءا خلال العام الماضي بعد ازدياد اسعار العقار الى قرابة مئة في المئة وبعد تدمير مزارع ما كان يطلق عليه «الحزام الأخضر» الذي اصبح حزاما اسمنتيا مرتفعا جدا.
المنطقة ما بين بني جمرة والقرية والمرخ كانت ايضا جنة من النخيل والاشجار والثمار وقامت الحكومة قبل سنوات عدة بصرف الاموال الطائلة لمد مياه الصرف الصحي، ولكن عندما اكتملت الشبكة حديثا اختفت المزارع كلها تقريبا وتم استنزاف الرمل بعمق متر ونصف المترمن مساحة شاسعة جدا وقام البعض ببيع الرمال الخصبة جدا ودمروا الزراعة وبدأت حديثا الفلل والمنازل في الارتفاع. من الذي قام بما قام به ومن المسئول؟
اسئلة كثيرة لن يستطيع المواطن الحصول على أي جواب، لأن الجواب الفعلي أمامه إذ ترتفع أسوار المجمعات وترتفع اسعار مواد البناء وترتفع اسعار العقار وتقام القصور التي لا يحلم المواطن الاعتيادي الذي يعيش في تلك المنطقة بشيء منها.
الجواب الذي قدمه احد المسئولين هو ان الدولة لا تتدخل في الامر لانها لا تملك سوى عشرة في المئة من أراضي الدولة، وهذا غير صحيح، لان الدولة هي صاحبة السلطة وهي التي بيدها ان تعيد الامور الى نصابها وهي التي تمتلك السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية. وهذه السلطات توجد في أي بلد يسعى إلى تطبيق العدالة التي تعتبر الانسان مركزا لها وهدفا ساميا. فالمواطن لا يمكن أن يترك ضحية لأساليب غير عادلة في توزيع الأراضي واستملاكها، وإلا فإننا نغلق ملفات لنفتح ملفات أخرى أشد منها. كرامة الإنسان تبدأ في حصوله على غذائه وملبسه ومسكنه بصورة عادلة، وهذا ما ينبغي لجميع سلطات الدولة العمل على تحقيقه وعدم ترك الأمور تتفاقم
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 435 - الجمعة 14 نوفمبر 2003م الموافق 19 رمضان 1424هـ