عندما يأتي الحديث عن تفشي الفقر في مناطق البحرين المختلفة، تتعالى أصوات المسئولين في الدولة بأن شيئا من ذلك غير موجود وأنه مجرد أمور مفتعلة يستغلها البعض للترويج عن صورة خاطئة عن البحرين أو جني الأموال بحجة المساعدة.
والبحرين، هذا البلد النفطي، نجده مثقلا بظاهرة الفقر المدقع في بعض مناطق وقرى البلاد... وتزايدت هذه الظاهرة حتى من بعد حقبة الانفتاح السياسي التي حملت جوانب إيجابية كثيرة، ولكن هناك أيضا جوانب أخرى لاتزال تنتظر وعود الدولة لتحقيق حلم أساسيات المعيشة العادية.
حقيقة، ما دعاني إلى كتابة هذه السطور هو ما أشهده في شوارع العاصمة وعدد من المناطق... فحالة التسول اليوم التي لا يحبذ المسئولون التحدث عنها هي ظاهرة لا تقتصر على الكبار والعجز، بل امتدت اليوم إلى صغار ومراهقي البحرين ممن تشتهي عيونهم وجبة طعام بقيمة دينار واحد فقط من أحد محلات الوجبات السريعة وأخرى ممن سيفعل أي شيء ليلاحق مرتادي حي المقاهي والمطاعم الراقية في منطقة العدلية ليكسب من تسوله دينارا أو حتى مئة فلس وهو صبي لم يتجاوز عمره الحادية عشرة، ليس هذا فحسب. ففي مرات تقوم هذه الفئة والخجل بادٍ على وجوههم بمد أيديهم الصغيرة وملابسهم الرثة بدخول هذه المقاهي أو حتى المجمعات التجارية وهم يراقبون أمثال عمرهم يمرحون ويلهون مرتدين ملابس نظيفة متمنين بحسرة أن يحظوا بمثل ظروف غيرهم.
فمنهم من سيقوم بغسل سيارتك وإذا رفضت سيحاول أن ينظف زجاج سيارتك لمجرد أن تعطيه أي شيء، هذا إذا ظفر بأي نقود...
ومنهم ينظر إليك باستعطاف محاولا شرح ظروفه وكيف أن والده توفي وأنه لا يوجد من يعيله وإخوانه وأخواته ووالدته إلا مساعدة صغيرة من الصناديق الخيرية أو الشئون الاجتماعية أو من بعض المحسنين... وهي في واقع الأمر لا تكفيهم حتى لأسبوع واحد يعينهم على كلف الحياة المتزايدة كل يوم.
فمن المسئول عن هذه الظاهرة؟ هل هي الدولة أم المجتمع؟ أم الأب أو الأم اللذان أنجبا من دون أن يكون لأولادهما ما يضمنهم للعيش بحياة كريمة؟ أم أنها أمور مخلوطة من جميع ما ذُكر؟
في اعتقادي، أن الواجب الأساسي يقع على الدولة من خلال التسريع بسنِّ قانون «الضمان الاجتماعي» على غرار الغرب لحل مشكلة مَنْ ليس لهم دخل... والمسئولية تقع أيضا على المحسنين والتجار والمؤسسات الكبرى التي تستطيع أن تخصص جزءا من أرباحها للصناديق الخيرية ومساعدتها في رعاية شئون الأسر المحتاجة والفقيرة.
كما على الصناديق الخيرية أن تطور من وسائلها من خلال رصدها لهذه الحالات عبر إنشاء شبكة معلومات إلكترونية فيما بينها بهدف توحيد جهودها في مختلف مناطق البحرين. ولربما إنشاء اتحاد عام للصناديق الخيرية قد يحقق مساعي جديدة لمساعدة هذه الأسر المحتاجة.
إن هذه المسئولية تقع على الجميع من دون استثناء، فالخير موجود بكثرة في هذا البلد لكن تنقصه عدالة التوزيع على أبنائها... وهو ما يدعو إلى مزيد من المساندة بين أفراد المجتمع نفسه
إقرأ أيضا لـ "ريم خليفة"العدد 434 - الخميس 13 نوفمبر 2003م الموافق 18 رمضان 1424هـ