المعركة التي فتحها مجلس النواب مع «الوسط» في قضايا «التجنيس» و«التمييز» من جهة، وعدم القبول بالطعن في دستورية مرسوم بقانون الصحافة من جهة أخرى، تكشف عن حقيقة أساسية، هي أن المعركة الحالية والمقبلة معركة الحريات، ويجب أن يكون لدى العاملين في الحقل الصحافي قلب من فولاذ للتصدي إلى كل ما من شأنه أن يتراجع بهامش حرية التعبير، بل يجب العمل على توسيعه في دائرة الشرعي من المواقف والآراء، مع الابتعاد عن القذف والتشهير والإساءة إلى الآخرين. الشيء الملفت في موضوع مجلس النواب أنه تصدَّى لصحافيين أرادا أن يخطا دربهما في عالم الصحافة بقوة وجرأة، استقواء بالقانون وبأي شيء، سبابا كان أو كيل تهم أو سوء ظن، وقس على ذلك، في وقت عجز فيه النواب عن أخذ مبادرات وعدوا بها، في تحريك الأدوات الدستورية التي يمتلكونها، ومنها حقهم في الطعن المباشر في دستورية القوانين التي أشكل على دستوريتها، ومن ضمنها قانون الصحافة. ففي حين يتعرض مواطنون إلى تهمة «تقويض أركان المجتمع» لمجرد ممارسة حقهم في الدفع غير المباشر ببعض الطعون، نجد من يمتلكون حق الطعن المباشر لا يقومون بهذه المهمة، وينتظرون نتائج طعون غيرهم، لمعرفة إن كانوا سيقدمون على الخطوة نفسها أم لا، بدلا من أن يكونوا ظهيرا لهؤلاء من خلال مواقعهم المتقدمة في المجتمع.
يأتي هذا الموقف الذي يعكس تكاسلا في استخدام الأدوات الدستورية المشروعة، وتخوفا غير مبرر من حقوق كفلها الدستور لهم، في ظل معركة الحريات التي يخوضها المجتمع الخارجي، ومنها المؤتمر الدستوري الذي سيوسع صلاحيات المجلس النيابي نفسه، والسؤال: إذا كان النواب يتهيبون من الدخول في معارك حريات حقيقية بصفتهم صفا متقدما، وينتظرون المتأخرين عنهم ليتقدموا، فأنَّى لهم أن يقولوا قولا فصلا في قضية دستورية مختلف عليها أشد الاختلاف؟
العدد 433 - الأربعاء 12 نوفمبر 2003م الموافق 17 رمضان 1424هـ