أكد المفتش الأميركي السابق عن الأسلحة في العراق سكوت ريتر أن الأدوات والتكتيكات التي تستخدمها المقاومة ضد الاحتلال الأميركي هي من صنع نظام الرئيس السابق وليست مستوردة.
وقال ريتر في مقال نشرته صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور»، الاثنين الماضي، إن المقاومة المناهضة للولايات المتحدة في العراق هي عراقية في طبيعتها تعتمد عموما على طبيعة العراقيين أكثر مما تعتمد على العالم، ولها قاعدة عريضة ومتجذرة بصورة أعمق مما يتم الاعتراف به.
وقال ريتر في مقاله «شاركت في عمليات التفتيش عن أسلحة الدمار الشامل في يونيو/ تموز 1996 بمجمع عسكري أو مهبط طائرات مهجور في منطقة أبوغريب - غرب بغداد - كان ذات يوم ملكا لمنظمة تابعة للدولة تعرف بـ إم 21 أو مديرية العمليات الخاصة لجهاز المخابرات العراقية. وكنا نفتش عن أسلحة دمار شامل وفي الوقت الذي لم أجد فيه أي دليل على هذه الأسلحة فإنني وجدت بالفعل منظمة متخصصة في صنع واستخدام أجهزة تفجير محسنة وهي الأجهزة التي تقتل الأميركيين في العراق يوميا الآن. وعندما دخلنا المجمع حاول ثلاثة من العراقيين الهرب بوثائق من فوق جدار إلا أنه ألقي القبض عليهم وسلموا هذه الأوراق، فإن هذه الأوراق كانت تتعلق بأجهزة تفجير محسنة. أمسكت بيدي نسخة مصورة من كتاب يعلم كيفية القيام بكمين على جانب الطرق باستخدام أجهزة التفجير المحسنة، ونسخا أخرى عن كيفية صنع أجهزة التفجير هذه من متفجرات تقليدية قوية وذخائر عسكرية وإن تلك الخطط المعقدة، وإن تكن برسومات بسيطة أظهرت كيفية التخلص من قافلة بإخفاء جهاز تفجير محسن وكيفية وموعد تفجيره لإحداث أقصى قدر من الأضرار».
ويضيف: «ولأن «أسلحة الدمار الشامل» هي ما كنا مكلفين بالبحث عنه فلم يكن مسموحا لنا بأخذ ملاحظات بشأن هذا النوع من النشاط. ولكن لدى عودتنا إلى سياراتنا أعدنا تنظيم كل ما شاهدناه. إن ما شاهدته ومررته إلى أجهزة المخابرات الأميركية هو ما يمكن ان نطلق عليه برامج للثورة بعد الحرب التي تواجهها الولايات المتحدة الآن في العراق. إن أجهزة التفجير المحسنة هي ظاهرة مرعبة للجنود الأميركيين الذين يقومون بأعمال الدورية في العراق، وقد حولت هذه التفجيرات الحرب إلى كمائن مجهولة ولعبة مدمرة للأعصاب ومقامرة على الطرق الرئيسية».
وتابع: «ان هذه الهجمات بأجهزة التفجير المحسنة هي أبعد ما تكون عن تكتيكات «إرهابيي» أجانب يائسين، بل يمكن أن تجد بصماتها لدى تلك المنظمات الأكثر ولاء لصدام حسين. ولم تكن منظمة «إم 21» الوحدة الوحيدة المدربة على التفجيرات المحسنة. فأثناء التفتيش في أكاديمية التدريب التابعة لجهاز المخابرات العراقية في بغداد في إبريل/نيسان 1997 شاهدت صفوفا لتدريب كل أفراد المخابرات السرية العراقية على فن صنع واستخدام أجهزة التفجير المحسنة... إن حكومة صدام حسين كانت، وبقيتها مازالت، تعرف معرفة دقيقة كل بوصة مربعة من بغداد ومن هم الموالون وأين يعيشون ومع من يرتبطون ويمكن أن يقالالشيء نفسه عن كل العراقيين وحتى في المناطق الشيعية والكردية وهذه المعلومات تسمح للمسئولين من بقايا أجهزة المخابرات والأمن في حكومة صدام إلى الاختباء من دون أن يكون بالإمكان اكتشافهم عند السكان المتعاطفين. وفي الحقيقة ان خبراء مكافحة الثورة يقدرون أن لكل مئة ثائر من النشطاء يوجد ألف إلى عشرة آلاف مؤيد من السكان المحليين.
وعلى رغم أن حكومة بوش تصف باستمرار طبيعة العدو في العراق بأنه «إرهابي» ونصف المذنبين الرئيسيين بأنهم «محاربون أجانب» أو ان القاعدة أو أنصار الإسلام يستخدمون بغداد أو أية منطقة مدنية في العراق كقاعدة مستقلة للعمليات فإنها فكرة بعيدة. إن العدد المتزايد والمعقد والمتنوع للهجمات على القوات الأميركية يشير إلى أن المقاومة آخذة بالتصاعد والتحول إلى مقاومة أكثر تنظيما، وهذا دليل واضح على أن الولايات المتحدة ربما تكون قد أخذت تفقد الكفاح من أجل قلوب وعقول الشعب العراقي».
وأكد ريتر: «ومن أجل تقييم طبيعة المقاومة ضد الأميركيين في العراق اليوم تقييما صحيحا، فإنه يجب على المرء أن يتذكر أن أكثرية القوات الموالية للنظام وخصوصا الوحدات العسكرية الأكثر ولاء لصدام لم تستسلم قط، بل إنها ببساطة اختفت. وعلى رغم البيانات المتفائلة من ادارة بوش خلافا لذلك، فإن الحقيقة هي أن نظام صدام لم يهزم بالمعنى التقليدي، وهو يظهر اليوم دلائل على إعادة تشكيل نفسه لمواصلة الكفاح ضد المحتلين الذين تقودهم الولايات المتحدة بطريقة تخدم قواه وتستغل ضعف الولايات المتحدة.
ولأسباب سياسية فإن حكومة بوش و«سلطة الاحتلال المؤقتة» لم يجابها بأمانة هذه الحقيقة خشية الاعتراف بأنهما وضعا بغير إتقان بصورة كاملة تقييماتهما قبل الحرب بشأن الظروف التي سيواجهانها في العراق المحتل بعد الحرب، وان الفشل في التقييم الواقعي للمقاومة المناهضة لأميركا في العراق يعني أن الحلول التي تطورها الولايات المتحدة وسلطة الاحتلال المؤقتة لا تملك سوى أقل الفرص للنجاح لأنها مستخلصة من إدراك غير صحيح للمشكلة وان عاصفة نيران المقاومة المناهضة لأميركا في العراق تستمر في التوع، وهناك مخاطر في أن تخرج عن نطاق السيطرة بسبب عدم جدوى الحلول القابلة للحياة. وما لم تتخذ إجراءات تعترف بأن نظام صدام حسين يظل قوة قابلة للحياة، وما لم تصغ الأعمال على هذا الأساس، فإن الصراع في العراق ينطوي على أخطار استنزاف الولايات المتحدة في كفاح قد لا يكون فيه أي احتمال لانتصار واضح بل احتمال متزايد بالهزيمة»
العدد 433 - الأربعاء 12 نوفمبر 2003م الموافق 17 رمضان 1424هـ