العدد 433 - الأربعاء 12 نوفمبر 2003م الموافق 17 رمضان 1424هـ

رسول حمزاتوف... شاعر الشعب في داغستان

الوسط - المحرر الثقافي 

تحديث: 12 مايو 2017

ولد رسول حمزاتوف في 8 سبتمبر/ أيلول العام 1923 في قرية تسادا الآفارية في شمال شرق القوقاز. وكان والده جمزات تساداسا شاعرا مشهورا ورث التقليد القديم للغناء على أنغام القيثار الذي مازال قائما في الجبال.

وكان ينظر إلى الشعراء باحترام وتقدير عظيم. فعندما كان محمود، الشاعر الشهير للجيل السابق يغني في ساحة السوق المزدحمة وينقر أوتار كمانه للدور المصاحب كان الصغار والكبار يستمعون بلهفة في سكوت تام حتى أن طنين النحلة يمكن سماعه.

وفي أوائل العشرينات من القرن الماضي عندما كان يأتي المحاضرون السوفيات الأوائل إلى القرية كانت النساء يجلسن وظهورهن إلى المتحدث الذي كان يفترض ألا يرى وجوههن. ولكن عندما كان الشاعر يتبع المحاضر بأغانيه كانت النساء تواجهه من قبل الاحترام لفنه وكان يسمح لهن حتى بإزالة الحجاب. وكان رسول (ذلك الشاب الذي لا يطيق أي نوع من المقاطعة) يستمع لساعات متواصلة لقصص وأساطير وحكايات الآفاريين التي كان يرويها والده.

ويتذكر رسول بعض الأشياء عن والده قائلا: عندما كنت صغيرا كان والدي يلفني في معطفه الفضفاض المصنوع من جلد الغنم وينشد قصائده لي، لذلك فقد حفظت هذه القصائد عن ظهر قلب قبل أن أركب الحصان أو ألبس حزاما.

وكان رسول يشاهد من النافذة الصغيرة في منزل والده المبني من الحجر الصلب رقعة خضراء أسفل القرية ومن فوقها الصخور الناتئة. وكانت حافة الجبال تشبه ظهر الجمل المتقوّس. وكصبي كان رسول يُسيم حصان جاره ليرعى لمدة ثلاثة أيام مقابل رواية قصة مكافأة له. وكان يتسلق الجبال نصف يوم للانضمام إلى الرعاة في الجبال ويمشي نصف يوم في رحلة العودة كي يسمع قصيدة واحدة فقط.

وعندما كان في الصف الثاني في المدرسة سار مسافة اثني عشر ميلا لمقابلة رجل عجوز صديق لوالده كان يعرف الكثير من الأغاني والقصائد والقصص الخيالية. وقد غنّى ذلك العجوز وأنشد قصائد لهذا الصبي الصغير لمدة أربعة أيام من الصباح حتى الليل. وكتب رسول بقدر ما استطاع وعاد إلى المنزل مسرورا بحقيبة مليئة بالقصائد الشعرية.

وكان في الحادية عشرة عندما كتب أول أشعاره وهو يرقد على جلد ثور في شرفة منزله. وكانت القصيدة تروي قصة الصبية من أهل المكان الذين هرولوا إلى الأرض المقطوعة الشجر إذ هبطت هناك طائرة لأول مرة العام 1934.

كان والده أول من علمه فن الشعر. ويقول رسول مستذكرا «بالنسبة إلى قصائدي الأولى ستجد جمرة متوهجة على الأقل إذا قمت بنبش الرماد».

أما كتابه الأول للقصائد فكان بعنوان «الحب الملهم والغضب المتقد». وكان يشعر بالابتهاج عندما ترسل إليه الفتيات في الجبال اللاتي قرأن هذه القصائد رسائل اعجاب. ولا يستطيع رسول حتى الآن أن ينسى الألم الذي ينتابه عندما يشاهد راعيا في الشتاء يستخدم صفحة من قصائده ليلف سيجارة (كان هذا الأمر العام 1943).

وفي العام 1945 وصل رسول إلى موسكو للالتحاق بمعهد جوركي للأدب ومعه القليل من كتبه باللغة الآفارية ومبلغا زهيدا من المال. ودرس هناك اللغة الروسية والأدب العالمي وفن الشعر مع مجموعة من الشعراء الشباب تحت اشراف كتاب متمرسين. وقد وقع بالتناوب في حب سبع فتيات ولكن حبه الثابت تركز في اثنتين فقط هما بشكن وليرمنتوف.

وظل رسول طيلة الخمسين عاما الماضية من أكثر الشعراء السوفيات الخصيبي الانتاج إذ كتب قصائد غنائية غزلية وقصائد قصصية طويلة وأغانٍ شعبية وقصائد قصيرة مختتمة بأفكار بارعة أو ساخرة وثُمانيات (مقطوعات شعرية ذات ثمانية أبيات) فلسفية نالت اعجاب الملايين من القراء.

ويعيش رسول الآن مع بناته الثلاث الفاتنات (زريما، باتمات، وساليكات) في مختشكالا، عاصمة داغستان على شواطئ بحر قزوين. وبيت رسول مفتوح لجميع الناس، ويُري أصدقاءه بكل فخر المجموعة التي يمتلكها من السيوف الرائعة وملابس ركوب الخيل والقرون التي يصب فيها الخمر والأواني الفخارية التي تشتهر بها داغستان. وفي كتاب النثر الحديث الذي كتبه عن تأملاته وذكرياته بعنوان «بلدي داغستان» يرسم صورة انسانية رائعة صادقة عن الأرض التي ولد عليها وعن شعبها وشعرائها.

ويعتبر رسول الفائز بجائزة لينين للشعر والذي كرّم بإعطائه لقب شاعر الشعب في داغستان شخصية جماهيرية معروفة وهو رئيس اتحاد الكتاب في داغستان.

وقد سافر كثيرا إلى أوروبا وآسيا وأميركا. ويكتب رسول بلغته الأصلية الآفارية التي يتحدث بها ما لا يزيد عن 500,000 شخص. ومع ذلك فإن الآفاريين والدارغنيين واللزغنيين والكمكيين من بين أكبر المجموعات العرقية في داغستان التي يصل تعداد سكانها إلى مليوني نسمة ويتحدث فيها السكان ستة وثلاثين لغة مختلفة. وطبقا للأسطورة القديمة فإن الفارس الذي ركب الجواد عبر العالم وهو يوزع لغات قام بإلقاء ملء كيس في الممرات الضيّقة في الجبال وقال للناس «صنفوا هذه الكلمات بأنفسكم» لذلك فإن مشكلة الترجمة تعتبر من العوائق المألوفة في داغستان إذ تكتب الكتب وتنشر بتسع لغات مختلفة.

وكان رسول محظوظا بمترجميه الروسيين (نوام جربنف وياكوف كوزلوفسكي) اللذين أصبحت نسخهما الرائعة أعمالا أدبية رائعة في الشعر الروسي.

لقد كانت النسخ المترجمة رائعة حتى أن رسول كان ينشد قصائده أمام الجمهور باللهجة الآفارية ذات الايقاع القوي مع ترجمة فورية سلسة باللغة الروسية التي كان يعرفها عن ظهر قلب أيضا.


موسوعة للكتّاب السوفيات

ولد حمزاتوف في 8 سبتمبر/ ايلول العام 1923 في قرية داغستانية وكان والده الشاعر الشعبي جمزات تسادا معلمه الأول ومرشده في دراسة الشعر. وقد كتب حمزاتوف أول قصيدة شعرية له عندما كان يبلغ 11 من العمر.

درس حمزاتوف في معهد البيداغوجيا (علم اصول التدريس) وفي العام 1940 عاد ليدرس في مدرسة قريته لفترة قصيرة. ثم تقلد عدة وظائف منها مساعد مدير فرقة مسرحية جوالة وموظفا في الإذاعة وصحيفة «بولشفيك جور».

وفي العام 1943 نشر أول مجموعة لقصائده «الحب الملتهب والغضب المتقد» بلغة الآفار وهي اللغة التي يتحدث بها سكان داغستان.

ودرس حمزاتوف في معهد جوركي للأدب في موسكو في العام 1945 إلى 1950. وتم نشر أول مجموعة قصائد له بالروسية العام 1947. ومنذ ذلك الحين قام بنشر اكثر من عشرين كتابا بكل من اللغتين الروسية والآفارية.

وقد فازت مجموعته الشعرية بعنوان «عام ميلادي» بجائزة الدولة لجمهوريات الاتحاد السوفياتي الاشتراكية (ز) العام 1952. وفاز حمزاتوف كذلك بجائزة لينين لمجموعته الشعرية بعنوان «النجوم الشامخة» العام 1962. وله قصائد أخرى مثل:

«كلمة عن الأخ الأكبر» (1952)، «الربيع الداغستاني» (1955)، «عامل المنجم» (1958)، «فؤادي في التلال» (1959)، «رسائل الشالين» (1963)، «حديقة ورد السنين» (1968)، «بجوار المدفأة» (1978)، «جزيرة النساء» (1983)، «عجلة الحياة» (1987)، بالاضافة إلى القصة الحماسية «بلادي داغستان» (1967 - 1971).

وفي العام 1959 تم اعلان حمزاتوف الشاعر الشعبي لداغستان وفي العام 1974 أصبح بطل العمل الاشتراكي.

ويعيش حمزاتوف ويعمل حاليا في مختشكالا في داغستان. ويعمل الآن رئيسا لاتحاد الكتاب في داغستان وهو المنصب الذي تقلده منذ خمسين عاما.


حمزاتوف فن وأدب

يعتبر رسول حمزاتوف الوجه الثقافي الذي يجدد ويجمل داغستان، ذلك البلد الجبلي وسكانه الذين ينحدرون من 70 شعبا. ان هذا البلد مكان فريد من نوعه.

مند بضعة قرون كانت السيوف والخناجر والبنادق تكتب تاريخ داغستان بالدم والأرواح.

وهذه بعض الكلمات المقتبسة من قصيدته:

«سال الدم من جرح عميق،

ومازال الدم يتدفق،

ومازالت دمعة ساكنة في العين،

لا يسمح لها بالسقوط،

ان قانون بلادنا يجعل الدموع شيئا أثمن من دم الانسان».

كان حمزاتوف شاعر البشرية. ومع انه كان يعتبر وطنه بمثابة والده ووالدته، إلا ان شعره كان يعكس مشاعر وآمال البشرية. ان شعره يتسم بالرومانتيكية القومية مع النبرة الغنائية الحماسية ذات السمة القوقازية المميزة . ان الأرض عزيزة بالنسبة إلى شعبنا إذ ان ثلث الأرض عبارة عن تربة خصبة حملتها الأجيال السابقة على اكتافها من الأودية إلى الجبال، لذلك فإنهم يستطيعون زراعة جميع انواع البذور. بإمكاننا زراعة القمح وكروم العنب للوصول إلى القمة. ان الأرض هي ثروتنا وسر سعادتنا.

وهنا يكمن سر الحب بين سكان داغستان. ان أرضهم تمثل الدفء والمسكن الجيد بالنسبة لهم ولكنها وعرة بالنسبة إلى الآخرين.

ولد حمزاتوف في 8 سبتمبر/ أيلول العام 1923 في قرية تسمى تسدا في داغستان. وينتمي إلى عائلة آفرية. والآفريون شعب يبلغ تعداده حوالي نصف مليون نسمة. وكان والده يدعى حمزة تسادسا (1877 - 1951).

وتعلم حمزاتوف الكثير من المهارات عن والده وبدأ الكتابة في مرحلة مبكرة من حياته. وتم نشر قصائده العام 1939. وبعد ذلك قام بدراسة الأدب في الجامعة.

وبعد الحرب العالمية الثانية قام بنشر أعماله. وأظهر الكاتب في هذه المرحلة جانبه الانساني ومساعدته المالية للطلبة المحتاجين. وكان يكسب مبالغ جيدة من اعماله الادبية وتم نشر الكثير من قصائده في الصحف السوفياتية.

وهذه مقتطفات من قصيدته الشعرية «دود القز»:

«انها تطير وتدعونا لنسيان احزاننا،

عندما ننظر إلى السماء،

إن رحيلي قريب،

سأطير مع دود القز إلى السماء الزرقاء وراء الأفق،

انني حزين للغاية،

وإن رحيلي قريب،

سأطير مع دود القز إلى السماء الزرقاء وراء الأفق،

انني حزين للغاية،

سأناديكم بأسمائكم، ايها الناس الذين مازلتم تعيشون على الأرض».

اننا نحتفل اليوم بعيد ميلاده الـ 80. وبهذه المناسبة نقول:

صديقنا العزيز حمزاتوف...

في هذا العالم الحزين - البارد كالموت - لا توجد حضارة من دون شعر، لان الشعر يروي الحقيقة. ان نعيش بالأمل وباسم الحب الذي يولد مع الحقيقة والامل ويتنبأ بمرحلة جديدة من الحياة





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً