مسألة جد طيبة ردود الفعل التي يتلقاها الصحافي على ما يكتبه من أخبار ومقالات، بغض النظر عما إذا كانت الردود متوافقة مع رأيه أم لا، ذلك أن «الاختلاف في الرأي لا يفسد في الود قضية». غير أن ما يجدر الالتفات إليه أن دوائر العلاقات العامة في الوزارات والمؤسسات الحكومية والخاصة والجمعيات السياسية والمؤسسة التشريعية تحاول - في الغالب - القول إن الجهات التي تمثلها لا تخطئ، بل هي معصومة عن الزلل بقدرة الواحد الأحد، وبفضل ما حبا الله القائمين عليها من علم ودراية وخبرة وبصيرة نافذة.
وقد نشرت «الوسط» قبل يومين ردين موقعين باسم مدير العلاقات العامة في مجلس النواب، تحدث أحدهما عن البيان الذي أصدره المجلس وأدان فيه ندوة «التمييز» التي استضافها نادي العروبة قبل عدة أسابيع، وأشار إلى أن المقابلة التي أجريت مع رئيس المجلس خليفة الظهراني في مايو/ أيار الماضي حرّفت «لأغراض طائفية».
فرضية خاطئة
ينطلق الرّدان من فرضية مفادها أن الصحافيين يتعمدون الإساءة إلى مجلس النواب، ولهذا السبب هم يتربصون به، باحثين عن زلات وهنات ينفخون فيها، وقد سمع الصحافيون هذا الكلام كثيرا. إن هذا الفهم المغلوط لطبيعة العمل الصحافي هو الذي جعل مسئول العلاقات العامة الأخ العزيز غازي عبدالمحسن يورد في رده أن الصحافي «تعمد الإساءة الشخصية لصاحب السعادة رئيس المجلس». إن هذا خطأ فادح، لا تقع فيه إدارة معنية بالعلاقات العامة، تبحث عن أصدقاء، ومعنية بتقريب المواطنين إلى النواب، لا تخويف الناس، وتخوينهم، وإزدرائهم، وكيل التهم إليهم، في هذا الجو المشحون ضد البرلمان أصلا.
إن تفكيرا كهذا - يفترض سوء النية مقدما - لا يمكن أن يعزز التجربة البرلمانية الوليدة، وسيقود إلى نهاية ليست هي ما يأمل المواطنون ويتمنون.
إلى ذلك، فإن اشتراط عدم التعقيب على الردود أمر غير مستساغ من مؤسسة يفترض أن تكون راعية للحريات، إلا إذا كانت نسخة من جهات أخرى في المجتمع، ترحب بالديمقراطية مادامت تتفق ورؤاها فقط.
إن تكميم الأفواه أمر تجاوزته البحرين، إذ يحفظ الدستور والقانون حق الجميع في التعبير عن رأيهم، لذلك ستصر الصحافة على إبداء الملاحظات والتعليق على الحوادث، حتى لو اعتبر ذلك من طرف المعنيين تحاملا وهجوما، فذلك في عرف الصحافة عمل مهني مقدس.
لا حق للعلاقات العامة
السؤال الأهم هنا، هو من أعطى العلاقات العامة في مجلس النواب التحدث باسم 40 منتخبا؟ إن هذا التصرف هو الذي يشوه المشروع الإصلاحي، ويسيء إلى شخص رئيس وأعضاء المجلس، وليس النقد الصحافي إلى أداء النواب، أو إدارات الأمانة العامة. وواضح ان العلاقات العامة في مجلس النواب لا تدرك أنه ليس من حقها إصدار بيان باسم جميع النواب في هذه القضية المختلف عليها، كما اتضح من خلال بيانات النواب وتصريحاتهم المنددة بآلية صدور بيان الإدانة. ذلك انها (العلاقاتالعامة) ليست تابعة لمؤسسة حكومية تحكمها سياسة واحدة يخطها وزير. وانما هي تعمل ضمن مؤسسة لا يتوقع ان تجد اتفاقا بين اعضائها في كل المسائل.
وهكذا، لا يمكن لدائرة العلاقات العامة أن تصدر بيانا وتوقعه باسم النواب في قضايا شائكة مثل التجنيس والفساد الإداري ومسألة نانسي عجرم والشعائر الدينية والبطالة والمسألة الدستورية والعلاقة مع الجمعيات السياسية والحكومة... ففي كل هذه الأمور يختلف النواب في مواقفهم، وبالتالي لا يحق للعلاقات العامة أن تتدخل في شئون الأعضاء على هذا النحو السافر. وكأنهم لا يملكون ألسنة أو أقلاما.
نعم، يمكن للعلاقات العامة أن تقدم رؤى وتعد بيانات لكن لا يجوز أن توقعها مطلقا باسم نواب منتخبين. وانما يجوز ان تتحدث باسم الامانة العامة للمجلس.
الملاحظ أن مدير العلاقات العامة، الذي نكن له كل حب وتقدير، على رغم لغته المجافية للحقيقة والأسلوب العلمي الرصين، يخالف المادة التي استشهد بها (128 من اللائحة الداخلية)، والتي تنص على انه «... يحق لكل عضو أن يطلب من رئيس المجلس تصحيح الأخطاء بكتاب يرسله الرئيس إلى الصحيفة أو وسيلة الإعلام التي حرفت الوقائع...»، أي أن اللائحة الداخلية لا تخول العلاقات العامة الحديث باسم النواب، وإنما خولت الرئيس بتوقيع الكتب المرسلة إلى وسائل الإعلام. وهذا ما لم يلتزم به مدير العلاقات العامة.
ثم إن إصدار بيان من طرف العلاقات العامة باسم النواب يعد مخالفة صريحة للمادة 98/أ من الدستور التي تنص على أن «عضو كل من مجلس الشورى والنواب يمثل الشعب بأسره ويرعى المصلحة العامة، ولا سلطان لأي جهة عليه في عمله في المجلس أو لجانه»، وهذا يعني أنه لا يحق لأحد، أيا كان، وخصوصا الموظفين التنفيذيين، التحدث باسم الأعضاء.
الإشكال أن العلاقات العامة تستخدم الصيغة الآتية «يستغرب مجلس النواب من إثارة صحيفتكم موضوع من أصدر بيان مجلس النواب...»، ولم تستخدم صيغة «إن العلاقات العامة تستغرب»، وخصوصا أن نوابا كثيرون أبدو انزعاجا من صدور البيان من دون علمهم.
وكان منصور بن رجب (وهو أحد أعضاء مجلس الشورى) استنكر في بداية انطلاقة البرلمان رد العلاقات العامة في مجلس النواب على أسئلة عدد من النواب طرحوها على رئيس المجلس خليفة الظهراني عن التعيينات في الأمانة العامة للمجلس.
وقال بن رجب - حينها - إن الرد المنشور في الصحافة المحلية يخالف الدستور صراحة، وهو يشير إلى ما يُعتبر رقابة على المجلس النيابي من قسم العلاقات العامة. وهكذا، فبدل أن يمارس المجلس النيابي رقابته على الأمانة العامة باعتبارها جزءا من السلطة التنفيذية، فإن دائرة من هذه الأمانة العامة، أعطت لنفسها حق الرقابة على المجلس النيابي، وممارسات أعضائه، بل لم تكتفِ بذلك، واعتبرت نفسها حكما مطلقا على الممارسة النيابية الدستورية التي عبّر عنها النواب المحترمون، حين وصفت هذه الممارسة الدستورية بأنها «تسيء الى الأهداف العليا التي من أجلها تم إنشاء هذا المجلس».
وأضاف «إنني من موقعي في مجلس الشورى؛ الشقيق لمجلس النواب، ومن مبدأ التزامي بالدستور، والفصل بين السلطات، واستقلال السلطة التشريعية... أسجل اعتراضي، جملة وتفصيلا، شكلا ومضمونا، على هذا الأسلوب الذي لجأت إليه دائرة العلاقات العامة والإعلام، محتفظا بحقي الدستوري، في متابعة هذه القضية. ومؤملا من الإخوة والزملاء، أعضاء السلطة التشريعية جميعا، عدم التراخي فيما يمس سيادة هذه السلطة، أو استقلالها». («الوسط» 14 يناير/ كانون الثاني 2003). إن هذه الحساسية التي عبر عنها بن رجب يجب أن يتمتع بها الأعضاء المنتخبون على نحو أكبر.
من خول الرئيس
أشار رد العلاقات العامة إلى أن البيان الذي أدان ندوة التمييز «صدر بناء على رغبة مجموعة من النواب تم إبداؤها بشكل شفوي بعد انتهاء جلسة المجلس في 14 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وجرى الاتفاق على أن يصدر الرئيس بيانا بذلك، وخصوصا أن هناك إجماعا من جميع فئات المجتمع بمن فيهم الجهة المنظمة على إدانة ما جرى في هذه الندوة».
ان الرد اعلاه لم يذكر الاسماء التي اتفقت مع الرئيس على اصدار البيان شفويا. ثم إن المعلومات المتوافرة، تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن بيان الإدانة صدر من دون علم غالبية الأعضاء حتى لا يقال كلهم، ومن دون علم مكتب المجلس الذي يضم رئيس المجلس ونائبيه ورئيسي اللجنة الاقتصادية والتشريعية.
إن التصريحات التي أدلى بها النواب لـ «الوسط» تؤكد ذلك، إذ قال النائب محمد خالد «يجب إعلام المجلس بإصدار البيان لأنه سيصدر باسمه»، ودعا النائب جاسم عبدالعال إلى «اتباع الإجراءات والقوانين في أمور المجلس التنظيمية سواء صدر البيان بقصد أم بغير قصد»، وشدد على «ضرورة عرض البيانات على هيئة المكتب»، فيما أكد النائب عبدالله العالي أن «إصدار البيان من دون علمه تجاوزا لصلاحيات المجلس ظاهرة خطيرة، لأنها تعطي الحق لشخص واحد من بقية النواب الانفراد بالقرار»، فيما قال عبدالعزيز الموسى انه لم يطلع على مضمونه «ولا أستطيع الحكم عليه أو له». اضافة إلى أن «الوسط» اجرت اتصالات مع نواب في مواقع مسئولة، وأكد جميعهم ان بيان الإدانة صدر بقرار منفرد.
الأهم من ذلك، أين تم الاتفاق الشفوي الذي تحدث عن رد العلاقات العامة؟ فإذا كانت محاضر الجلسة العلنية العامة التي تنعقد كل يوم ثلثاء واللجان وهيئة المكتب لا تتضمن إشارة إلى إصدار بيان، فأين تمت مناقشة الموضوع؟ ومتى تم الاتفاق الشفوي؟ ومن أعطى التخويل لمن؟
علما بأن المادة 77 من الدستور تنص على أن «كل اجتماع يعقده مجلس الشورى أو مجلس النواب في غير الزمان والمكان المقررين لاجتماعه يكون باطلا، وتبطل القرارات التي تصدر عنه».
هذا يعني أن الحديث عن اتفاق شفوي لا معنى ولا قوة قانونية له. فأي اتفاق جرى خارج الأطر المتبعة لا يمكن الارتكاز عليه، كما تنص المادة 79 من الدستور على أن «جلسات مجلس الشورى ومجلس النواب علنية، ويجوز عقدها سرية، بناء على طلب الحكومة أو رئيس المجلس أو عشرة أعضاء، وتكون مناقشة الطلب في جلسة سرية». وكل المعلومات تؤكد أن جلسة سرية لم تعقد، فلا يعرف بعد ذلك أين حدث «اتفاق شفوي»؟ ومع من؟
حدث في السابق
نتفق على أنه تم في السابق تخويل الرئيس والمكتب بالقيام ببعض المهمات، لذلك لم تثر الصحافة الموضوع، وهذا دليل الدقة والتحري ومهنية العمل، أما هذه المرة فلا دليل على أن التخويل تم ضمن الأطر الرسمية، إن كان ثمة تخويل أصلا.
إن هذه الشواهد تؤكد أن البيان صدر بطريقة مخالفة للآليات المتبعة في إصدار مثل هذه البيانات. وكما هي عادة «الوسط» في تسليط الضوء على التجربة، وكما أبرزت سابقا قضايا إيجابية وأخرى سلبية في أداء المجلس، فإنها ناقشت قضية إصدار البيان، بحسن نية، وبقصد تطوير التجربة، عبر نقدها ومساءلتها.
ألا يسائل مجلس النواب الحكومة بقصد تطوير الأداء الحكومي، وليس بقصد التهجم؟ فلماذا يقال إن النقد الصحافي تهجم وإساءة؟ أليست الصحافة سلطة رابعة من حقها، بل من واجبها مراقبة أداء قوى المجتمع؟
أما القول بأن إلقاء الضوء على بيان الإدانة تم بعد 20 يوما من صدوره، فإن الأخطاء لا تسقط بالتقادم، ومن حق أي أحد أن يناقش مواقف وإجراءات اتخذت قبل 20 شهرا، و20 سنة، و200 سنة أيضا.
الأمل ألا يعتبر ما سبق إساءة إلى أحد، فجميع النواب، وخصوصا رئيسهم، لهم المكانة التي يستحقون، كنواب للشعب محترمين ومقدرين. لكن هذا لا يعني عدم توجيه النقد إلى أدائهم.
إن الدعوة الموجهة إلى من أصدر البيان هي ألا يتمسك بالخطأ. إذ يمكن لرئيس مجلس النواب، بما أعطي من خبرة ورحابة صدر، أن يقر بأن إرباكا قد حدث. إذ جلَّ من لا يسهو أو يخطئ. فبعض السلبيات تحدث بسبب زحمة العمل، وتعدد المسئوليات، ولا بأس على الرئيس أو غيره إن قدّر بأن الأعضاء موافقون على إصدار البيان، ولم يتسن له إعلامهم، فأصدر البيان. وجاء الوقت للقول إن إصدار البيان لم يكن بقصد تجاهل الآخرين، وأظن أن غالبية النواب والمتابعين يقرون بأن البيان لم يصدر منفردا بسوء نية، وخصوصا أن غالبية القوى السياسية والنواب أدانت ندوة «التمييز».
المقابلة مع الظهراني
ما يلفت النظر في رد العلاقات العامة الإشارة إلى المقابلة الصحافية التي أجرتها «الوسط» مع رئيس مجلس النواب خليفة الظهراني في مايو / ايار الماضي، وأثارت جدلا واسعا، بسبب الصراحة التي تحدث بها الرئيس.
وجاء في الرد المنشور قبل يومين في «الوسط» ما نصه «إننا إذ نأمل من جريدتكم الموقرة التماس الدقة والموضوعية فيما تنشره عن مجلس النواب والإسهام في إنجاح المشروع الإصلاحي لجلالة الملك المفدى لنربأ بها أن يتم استغلالها لتشويه التجربة الديمقراطية، وكذلك تعمد الإساءة الشخصية لصاحب السعادة رئيس مجلس النواب السيد خليفة بن أحمد الظهراني الذي يحتفظ بحقه القانوني في الرد على هذه الإساءات التي هي على شاكلة المقابلة الصحافية التي أجراها أحد محرري جريدتكم في دور الانعقاد الماضي وتم تحويرها وتحريفها وحذف أجزاء منها تجييرا لأغراض طائفية». وهنا يمكن تسجيل أكثر من ملاحظة: فعلى رغم أن رد العلاقات العامة استنكر على «الوسط» معالجتها موضوع إصدار بيان الإدانة بعد نحو 20 يوما من صدوره، فإن الرد يلوح باللجوء إلى القضاء - وهذا حق نقره ونعترف به - على المقابلة الصحافية التي أجرتها «الوسط» بعد أكثر من 5 أشهر على نشرها. ويأسف المرء لأن مدير العلاقات العامة في النواب اطلق اتهامات خطيرة جدا يحاسب عليها القانون حين اتهم المحرر بـ «الطائفية» في إشارته إلى ما أسماه تحويرا وتحريفا. علما بأن غازي عبدالمحسن لم يكن حينها في منصبه الحالي، فكيف علم بأن التحوير جرى، إذ لم يحضر عبدالمحسن المقابلة؟ ثم كيف جزم عبدالمحسن بأن التحريف جرى لأسباب طائفية؟ هل فتش قلب المحرر الذي أجرى المقابلة.
يعلم رئيس المجلس علم اليقين بأنه قال كل ما كتب، من دون أية زيادة، او نقصان. ولو كانت المقابلة تضمنت تحريفا لانتفض رئيس المجلس حينها، وخصوصا مع ردود الفعل المتتالية على المقابلة. أما السكوت لمدة 5 أشهر، ثم القول إنها حرفت فذلك يطرح أسئلة.
أقدر وضع رئيس المجلس الذي تعرض للهجوم على آرائه «الصريحة» التي قال فيها إنه لا ثقة بين الحكومة وفئات من المواطنين، ما عرّضه إلى هجمة أراها غير مبررة، ذلك أنه قال صدقا. وما يؤكد عدم تحوير المقابلة ان الظهراني أدلى بتصريحات عدة إلى المحرر الذي اجرى المقابلة. كما أدلى النواب الآخرون بتصريحات بشكل يومي، من بينهم نواب قريبون جدا من الظهراني.
وفي كل الأحوال، فإن «الوسط» على استعداد تام لأن تجري مقابلة أو اكثر صحافية مع الظهراني ليعبر فيها عن آرائه بصراحة، لكنها ترفض أن يتم التنصل من آراء طرحت سابقا، بالقول إن «الوسط» حرفتها، فهذا كلام لا يمكن قبوله. ويمكن ان يصدر الرئيس بيانا أو يجري مقابلة يتخلى فيها عن آراء سببت له انزعاجا.
ولا بأس من أن نختلف، بل هو أمر مطلوب، ولكن من المفيد ألا نلوي ذراع الحقيقة وقد أثبتت «الوسط» أنها تعبر عن كل الطيف الوطني بجميع تنوعاته، وهي حريصة على أن تكون منبرا للجميع. ويعلم النواب قبل غيرهم الجهد الذي تبذله «الوسط» في دعم التجربة، وعلاقتها بالنواب ستظل قائمة على الاحترام المتبادل، وتؤكد في كل حين حرصها المستمر على انجاح التجربة الوليدة، لكن دعم التجربة، لا يعني غض الطرف عن مثالبها، وإنما هو فهم يستمد من الحديث الشريف «انصر أخاك ظالما أو مظلوما»
العدد 432 - الثلثاء 11 نوفمبر 2003م الموافق 16 رمضان 1424هـ