العدد 432 - الثلثاء 11 نوفمبر 2003م الموافق 16 رمضان 1424هـ

قراءات خاطئة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

صدرت الكثير من الدراسات والبحوث والكتب في العقود الثلاثة الأخيرة محاولة الاجابة عن «سؤال العنف» في العالمين العربي والاسلامي، والاسباب الكامنة وراء دورات الدم المتتالية التي تعرضت وتتعرض لها البلدان العربية والاسلامية. ومعظم تلك القراءات/ الأجوبة تركزت على الدين وصلة الاسلام (قربه أو بعده) بالعناوين المقترحة للمشكلات من نوع الاسلام والمرأة، أو الاسلام والديمقراطية، أو الاسلام وحقوق الانسان، أو الاسلام والتنمية أو العولمة أو الاسلام وأي شيء يخطر على بال الانسان و عقله.

هذه العناوين باتت مملة لكثرة تكرارها وهي قالت كل شيء ولم تقل شيئا يفيد الانسان العربي/ المسلم في حاضره ومستقبله، فتلك العناوين أخفقت أو تعمدت تغييب الجوانب الاجتماعية من المشكلات وأخفت التركيب القبلي - العشائري للبنية الذهنية للفرد، وابتعدت كثيرا عن الفهم الخاص (الوعي المقارب) للواقع التاريخي وصلته بالتراتب المجتمعي والتنوع الجغرافي بين سواحل وجبال وصحراء وأنهار ومرتفعات وهضاب وغير ذلك من أنسجة ثقافية وتقاليد وعادات أسهمت مجتمعة ومتفرقة في اعطاء ألوان محددة للمواجهات السياسية في هذا البلد العربي المتوسطي أو ذاك الخليجي أو تلك التي تتمتع بمواقع استراتيجية على ساحل البحر الأحمر أو على المحيطين الاطلسي والهندي.

يضاف إلى هذه الخصائص المتنوعة تلك الثروات الهائلة من نفط ومعادن وخامات وسهوب (قابلة للاستصلاح والزراعة) وغيرها من مصادر رزق وانتاج كانت ولاتزال محط أطماع الشركات المتعددة الجنسية.

الدراسات التي تعرضت خلال العقود الأخيرة للاسلام والمسلمين غلب عليها حتى الآن الطابع التأريخي الايديولوجي الذي يستنتج الفرضيات من النصوص لا من الواقع ويقدم الاقتراحات (العلاجات) انطلاقا من تفكير مسبق ينسجم إلى حد كبير مع السياسات الدولية العدوانية والقهرية ضد العرب والمسلمين.

الحديث عن الدراسات والبحوث جاء في مناسبة خطاب الرئيس الأميركي جورج بوش وكلامه عن حقوق الانسان والحرية والديمقراطية في معرض تبرير انقلابه على الأنظمة العربية. فالخطاب (اللغز) جاء ليقول انه لا تعارض بين الاسلام والديمقراطية وبالتالي فان واشنطن قررت بعد هذا الاكتشاف المتأخر ان تعيد النظر في سياستها التقليدية في المنطقة وقررت دعم القوى الديمقراطية جنبا إلى جنب مع دعمها لـ «إسرائيل».

والسؤال: لماذا وضع هذا التعارض بين الاسلام وغيره وثم نفي التعارض للقول بأن السياسة الاميركية تغيرت أو قررت تغيير استراتيجيتها بعد 60 عاما من العقاب؟

اجوبة بوش عن سؤاله تؤكد أن نسق السياسة الاميركية لن يتغير لأن وضع تلك التعارضات هو أصلا تفكير خاطئ يقوم على فرضيات ايديولوجية ويستنتج منها استراتيجية ستكون سيئة. فالمشكلة أصلا هي في تلك الفرضيات أو ذاك الترتيب الافتراضي لتناقضات المنطقة. فمن قال إن التناقض الاساسي في العالمين العربي والاسلامي هو بين الاسلام والمرأة مثلا أو بين الاسلام والحرية أو بين الاسلام والتنمية؟ كل هذه الفرضيات تقوم أساسا على استنتاجات ايديولوجية متوهمة لا سند لها في الواقع والتاريخ.

ترتيب التعارضات مسألة مهمة لأن صحة الترتيب تضع المشكلات في نسق واقعي لا ايديولوجي وتعيد تركيب المشروعات التحديثية وفق تسلسل سليم لا يقفز فوق الواقع لمصلحة رؤى ايديولوجية جاهزة مسقطة «من فوق» على شعوب المنطقة.

لماذا لا تتحدث الدراسات والبحوث مثلا عن البناء الاجتماعي - التاريخي للمنطقة، ولماذا لا تتطرق إلى أزمة التحديث في الدولة الوطنية (القطرية - الكيانية) ووصولها إلى حائط مسدود، ولماذا لا تبحث تلك الكتب في موضوع مأزق الحداثة العربية وعدم قدرتها على الاحاطة بالمشكلات والسيطرة عليها وحلها سلميا؟

ترتيب الاسئلة يعيد النظر في ترتيب التعارضات ويضع لائحة جديدة للتناقضات من نوع انكفاء المشروع العربي عن مواجهة المشروع الصهيوني، أو فشل المشروع النهضوي العربي في إنقاذ المنطقة من الانكسار والتبعثر والانقسامات والتجزئة، وعجز الأنظمة عن تطوير بنية علاقاتها السياسية وعدم قدرتها على تشجيع الاستثمار والتنمية واستعادة الاموال العربية الهاربة التي بلغت تريليونا و400 مليار دولار، وكذلك فشلها في استيعاب الطاقات الشابة والأجيال الجديدة أو توظيف العقول العربية اللاجئة إلى بلدان الغرب وعواصم اوروبا ومدن اميركا.

الاسئلة الواقعية عن الأزمة العربية تساعد كثيرا في تقديم برنامج أولويات مختلف عن ذاك الذي طرحه أو اقترحه بوش على العرب والمسلمين. فالمشكلات ليست محصورة في سؤال الاسلام وعلاقته بغيره وموقف الاسلام من تلك العناوين المكررة في الدراسات والكتب. المشكلات أصلا ليست في تلك التعارضات الايديولوجية المفترضة بل في واقع عربي - اسلامي اصيب بالشلل بالتكافل والتضامن مع سياسات دولية (أميركية) اختارت دعم الظالم والظالمين من «إسرائيل» وغيرها لكسر منطقة عرفت تاريخيا بأنها مصدر الحضارات ومهبط الديانات. وهذا موضوع آخر تجاهله بوش في خطابه

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 432 - الثلثاء 11 نوفمبر 2003م الموافق 16 رمضان 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً