العدد 432 - الثلثاء 11 نوفمبر 2003م الموافق 16 رمضان 1424هـ

التعددية في الرأي تتطلب أفقا أوسع

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

في صدر الاسلام كانت هناك دولة متقدمة علميا وتكنولوجيا على غيرها من الأمم، تلك هي الصين، وحتى ان الرسول (ص) وجه المسلمين بقوله «أطلبوا العلم ولو في الصين». وحتى القرن الرابع عشر (بينما اوروبا كانت في ظلام دامس) كانت الصين مازالت في المقدمة بعد ان تلاقحت مع العالم الاسلامي الذي تسلم قيادة العالم لفترة من الزمن قبل ان يبدأ في الأفول مع نهاية القرن الرابع عشر ومطلع القرن الخامس عشر.

آنذاك كانت الصين تمتلك افضل المكتبات وصناعة الورق، والقنوات المائية كانت على نمط متطور سهّل المواصلات للتجارة والصناعة، والأكثر من ذلك كان الصينيون يصهرون الحديد قبل ان تنهض اوروبا وتصهر حديدها بسبعة قرون. غير ان الصين كانت خاضعة لبيروقراطية غير متنورة في ذلك القرن وقررت ان تبتعد عن كل تطوراتها ومنع انتشار الكتب ونقل الجهود لإعادة بناء سور الصين والانصياع للحاكم المطلق، الملك الذي كانوا يعتبرونه «ابن السماء».

باختصار فإن الصينيين خسروا موقعهم الريادي عالميا آنذاك بسبب مركزية سلطانهم وبسبب انعدام الرأي الآخر في قبال ما كان يقرره «ابن السماء» او الاداريون غير المتنورين. والانحسار الاسلامي كان أيضا لأسباب مشابهة، من انتشار للدكتاتورية الى منع المطابع لاحقا (السلطان العثماني حرم المطابع لأكثر من مئتي عام حتى مطلع القرن الثامن عشر) الى انعدام الرأي الآخر وانعدام آليات تسمح بالتعايش السلمي بين من يختلفون في الرأي.

الاوروبيون كانوا في الظلام ايضا وكان انعدام التسامح هو الاساس حتى نهاية القرن السابع عشر ومطلع القرن الثامن عشر عندما بدأوا يأخذون بأفكار الحرية والتسامح والتعددية واحترام العلم بجميع صنوفه.

غير ان تأريخنا هو الأسبق في التعددية، بل ان الدين الاسلامي سمح بالتعددية الدينية (وهي أشد من التعددية السياسية) بقوله تعالى «لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا، ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم» (المائدة/48)، وأقرّ الاسلام الألسن والألوان مشيرا الى انه «من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولا تزر وازرة وزر اخرى» (الاسراء/15).

التعددية لا تعني انعدام الضوابط والآليات لإدارة الاختلاف، بل ان انعدام الضوابط يحوّل التعددية الى تشتيت وتبديد الجهود، وعلى هذا الاساس تدخل المسئولية الاجتماعية كمحور في العمل الوطني العام.

غير ان المؤسف ان البعض يمنع التعددية داخل صفوفه بحجة الحاجة التعاضد والتوحّد. إلا أن هذا الأمر غير صحيح، فالقائد السياسي هو الذي يقود جماعته داخل المجتمع ويهتم بالمجتمع أولا وبالجماعة ثانيا، وليس العكس. اما اذا كان الاهتمام بالجماعة فقط (والجماعة قد تكون حزبا ايديولوجيا أو طائفة أو طبقة أو قبيلة) فإن ذلك يؤدي - مع الزمن - إلى حال انفصال نفسي واختلاف بين مصالح المجتمع ومصالح الجماعة. وهذا يؤدي الى ظهور النزعة الدكتاتورية لحسم الأمور، ولكنه حسم قد يعطي النتيجة المقلوبة كما حدث لجماعات ودول وحضارات أخرى

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 432 - الثلثاء 11 نوفمبر 2003م الموافق 16 رمضان 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً