العدد 431 - الإثنين 10 نوفمبر 2003م الموافق 15 رمضان 1424هـ

الانقلاب الأميركي

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

خطاب الرئيس الأميركي جورج بوش في الأسبوع الماضي عن سياسات إدارة البيت الأبيض في «الشرق الأوسط» والديمقراطية العربية وسلوك الأنظمة اتجاه شعوبها يعتبر خطوة أولى (بلاغ رقم واحد) في انقلاب كبير تخطط «البنتاغون» لإحداثه في الاستراتيجية العامة للولايات المتحدة.

الخطاب خطير في مختلف وجوهه. فهو يخترق سلسلة تقاليد أميركية في السياسة الدولية وربما الداخلية. فمن تقاليد إدارات البيت الأبيض ان يحترم كل رئيس سياسة سلفه حتى لو تعارض معها. فالرئيس الجديد عادة يطور سياسة سلفه أو يعدلها أو ينقضها إذا أراد بشرط عدم الإخلال بالتوازن العام وإحداث الضرر بالمصلحة الأميركية العليا.

بوش في خطابه المشار اليه كسر كل تلك التقاليد وانتقد علنا سياسات كل الرؤساء (من جمهوريين وديمقراطيين) تعاقبوا على إدارة البيت الأبيض منذ 60 عاما وتحديدا منذ تأسيس دولة «إسرائيل» في عهد هاري ترومان إلى وقتنا الحاضر. وبوش ايضا حدد في خطابه أسباب انتقاده لسياسات أسلافه الرؤساء مشيرا إلى نقطتين: الأولى دعمهم لأنظمة دكتاتورية ومتخلفة ظلمت شعوبها واستبدت بمجتمعاتها. والثانية عدم تشجيعها القوى والتيارات الديمقراطية التي كان يمكن المراهنة عليها لتحسين صورة الأنظمة وعلاقاتها المنفتحة مع العالم.

ظاهر كلام بوش هو الاعتذار. والسؤال الاعتذار لمن؟ هل هو يعتذر من الشعوب العربية أم من «إسرائيل»؟ وضع السؤال في سياق كلام الخطاب يشير الى غموض في التوجه السياسي. فهو ربما يعتذر من الشعوب العربية لتحريضها ضد أنظمتها. وأيضا ربما يعتذر من «إسرائيل» لأن أسلافه الرؤساء اضطروا للتعاون مع بعض الدول العربية ومساواة مصالحها مع مصالح تل ابيب لحسابات دولية (الاتحاد السوفياتي وأوروبا والصين) ولحاجات متعلقة بالثروة النفطية والمنافذ البحرية وخطوط المواصلات الاستراتيجية.

اعتذار بوش جاء في صيغة مبطنة وملغومة، كذلك اشاراته الايجابية ومدحه لبعض الانظمة العربية واستعدادها لتحقيق بعض الاصلاحات الديمقراطية. فهذا المدح جاء في سياق انقلابي ضد المنطقة العربية وربما تعمد اطلاق تلك الاشارات لتمرير ما هو اخطر من ذلك. والاخطر من ذلك يعني رفع الغطاء عن الأنظمة العربية التي لا تسير في ركب الاستراتيجية الأميركية الانقلابية.

خطاب بوش انقلابي في جوهره حتى لو جاء في سياق ملاحظات سلبية أو ايجابية عابرة. فأساس الخطاب ليست تلك الكلمات «التكتيكية» التي تلفظ بها لتغطية هجومه الكبير على المنطقة بذرائع جديدة وهي دعم الديمقراطية وتعزيزها في وقت تظهر الحوادث ان الفوضى في «الشرق الأوسط» ستجلب الخراب لكل الناس وليس للأنظمة وحدها. فالخطاب في جوهره خطوة أولى في سياق انقلاب أميركي على استراتيجية اعتمدت طوال اكثر من نصف قرن ونهضت على أساس فكرة «التوزان» المكسور دائما لمصلحة «إسرائيل» ولمصلحة «الدكتاتوريات» و«الأنظمة المغلقة».

هذا الكلام «الاعتذاري» يتضمن سياسة جديدة تغطي استراتيجية هجومية يمكن قراءة عناوينها في تصريحات اشرار «البنتاغون» واحاديثهم الدائمة عن تغيير الانظمة من طريق القوة أو فرض الاصلاحات (وفق التصور الأميركي) على الشعوب بإسقاط النماذج الغربية على مجتمعات لاتزال تمر في مرحلة تاريخية تحتاج إلى وقت طويل لتقبل مثل هذه الأفكار (الهياكل) الجاهزة.

هذا النوع من التفكير هو أشبه بالانقلاب الذي يحدث الاهتزازات والارتجاجات ولا يؤدي إلى التغيير بل يدفع المنطقة دفعا نحو الفوضى واللااستقرار. وهذه الاستراتيجية في حال باشرت واشنطن في تنفيذها ستحدث انقسامات لأنها أصلا مفروضة بالقوة ومسقطة من «فوق» وبالتالي ستكون ضد التاريخ وضد الناس وضد كل من اعتذرت منهم على سلوكها السابق. فالتغيير في النهاية يحتاج الى قراءة موضوعية تضع الارتدادات الاجتماعية في الصورة العامة وكجزء من حركة التاريخ. وهذا يتطلب بدوره مرونة سياسية وعدالة في توازن المصالح بين «إسرائيل» والشعوب العربية المقهورة من الأنظمة والعدوان الصهيوني في آن واحد.

العنف لم يكن في لحظة من لحظاته مسألة أمنية أنه اساسا موضوع بحث في السياسة. والقراءة السياسية ترشد الى حد ما العقل نحو فهم ما يجري ولماذا يحصل ما يحصل وما هو المراد في نهاية التحليل من «هجمات الارهاب»... وأخيرا ما هو القصد من زعزعة أمن المنطقة ودفع انظمتها نحو المزيد من القلق والاستقرار؟

انه سؤال موجه إلى معنى الانقلاب الأميركي وغاياته

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 431 - الإثنين 10 نوفمبر 2003م الموافق 15 رمضان 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً