في الدول الغربية أحيانا تصبح الصحافة أكثر تأثيرا من البرلمان نفسه، والجميع يحاول كسب ودها خوفا من أية فضيحة وخصوصا اذا اعتمدت الموضوعية في الطرح من أجل صالح الوطن، ولعل الكثير منا مازال يتذكر صحيفة «الواشنطن بوست» التي كانت تتناول مشكلات الفساد المالي والقضايا التي تمس هموم المجتمع الأميركي. فقد وفرت هذه الصحيفة العريقة ملايين الدولارات على الإدارات الأميركية المتعاقبة وذلك بسبب ملاحقتها الفساد ولهثها وراء الفضائح المالية وغيرها. فقد كانت سببا في الاطاحة بالرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون في العام 1974 لكشفها ونشرها فضيحة «ووترجيت». هنا تصبح الصحافة سلطة رابعة تعمل مع السلطة على ملاحقة أية تجاوزات في أية وزارة أو مؤسسة.
لكن للأسف الشديد مازال عالمنا العربي يفتقر إلى مثل هذه الصحافة، فهي مازالت تمثل ازعاجا ودائما ما يثار في وجهها الغبار وتتهم بعدم الوطنية و...و...
فأية معارضة حتى لو كانت معارضة صحافية قائمة على التوازن والموضوعية ولغة الوثائق والأرقام فهي غير مرغوب فيها. طبعا العقلية الشرقية إلى الآن لا تتفهم النقد حتى لو كان لصالح الوطن وحتى لو كان بلغة تعتمد الموضوعية وبطريقة سلمية.
جمال عبدالناصر كان يسمي المعارضة بـ «أذناب الاستعمار» و«عملاء السفارات». وكان السادات يسميهم بـ «طبقة الأراذل» أو «الأفنديات» وانظمة البعث كانت تسمي المعارضة بـ «المرتزقة» و«الخائنة» و«بالطابور الخامس».
نعم تلك حقيقة واقعية، ان علاج الديمقراطية مزيدٌ من الديمقراطية وينبغي لمن يرفع شعار الديمقراطية ان يعيش هو ذلك فلا يضيق صدره بالنقد.
المشكلة أن بعض الوزراء يضيق صدره سريعا لمساءلة خجولة من قبل الصحافة. فكيف لو تم وضع النقاط على الحروف.
ان الواقع العربي يشكو كثيرا ولا يمكن تغييره نحو الافضل الا بوجود سلطة رقابية قوية تكون احدى اذرعها الصحافة. ذلك اذا اردنا ان نصحح اوضاعنا الادارية والمالية بكل صدق وبلا مزايدات.
فالنمو يتراجع في معظم الدول العربية ونحن مقبلون على انفجار سكاني مخيف وأصبح المواطن العربي لا يصدق نشرة الاخبار المحلية فيبحث عنها في الـ «بي بي سي» أو في غيرها من القنوات والصحف.
فالاذاعات نفخت ألوهية المؤسسات المشخصنة ونفخت في الفساد حتى اصبح على حساب البنى التحتية لهذه المجتمعات.
والثروة القومية تلاشت وبددت في شراء أسلحة ميتة أو تستخدم للقضاء على الاصوات المعارضة بحجة الحفاظ على السمعة الرسمية.
العالم العربي والمعارضات يجب ان تستغل الضغط الدولي على الدول العربية للحصول على بعض المكتسبات الوطنية لصالح المجتمع، ويجب أن تلعب اللعبة السياسية بطريقة سلمية وان تعمد بكل ما اوتيت من قوة لنبذ العنف أو أية محاولة تحاول ان تجر ساحاتها الى مواقع مواجهة عنيفة. اليوم وقد تحول العالم - وبسبب العولمة - الى قرية صغيرة... فيجب ان يشغل هذا الهامش في توصيل صوت الديمقراطية الى كل العالم وبالطرق السلمية
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 430 - الأحد 09 نوفمبر 2003م الموافق 14 رمضان 1424هـ