العدد 430 - الأحد 09 نوفمبر 2003م الموافق 14 رمضان 1424هـ

عودة إلى السياسة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

في أي سياق يمكن أن نقرأ هجمات العنف الإرهابية التي تقع بين فينة وأخرى في هذا البلد العربي أو ذاك البلد المسلم؟

القراءة البوليسية غير مفيدة وكذلك ليست مقنعة لأنها تضع الحوادث في دائرة الأمن وتجرد مختلف حلقات السلسلة من بعدها السياسي. فالعنف هو سياسة في النهاية أو هو وسيلة من وسائل السياسة في لحظة تصل فيها العلاقات الإنسانية إلى انسداد شامل ويستقيل العقل ويتنازل عن وظيفته التحليلية تاركا الساحة للغة الجنون تلعب لعبتها خارج ضوابط الشرع والقانون.

سؤال الأمن هو سؤال سياسي ومنه يجب الاطلال على تعقيدات استراتيجية بدأت تشهدها المنطقة والعالم منذ وصول الحزب الجمهوري الأميركي إلى رئاسة البيت الأبيض. فالاضطراب بدأ منذ تلك اللحظة وتحول إلى حال من الجنون الدولي بعد ضربة 11 سبتمبر/ أيلول 2001.

من هنا يجب ان يبدأ البحث عن أجوبة حائرة أو ضائعة تحت ركام الدمار في أفغانستان والعراق، وطبعا فلسطين دائما وابدا. فالجانب التاريخي - الدولي يجب ان لا يغيب عن خلفية الصورة. أما التفاصيل فهي مجرد جزئيات في قانون عام اخذت الإدارة الأميركية تشق مجراه وتعلن عنه صراحة ومواربة. فالعالم الآن، وتحديدا العالم العربي - الإسلامي، يمر في فترة انتقال أوتحولات مفروضة بالقوة ومن طريق التخويف احيانا والابتزاز احيانا أخرى. وهذا النوع من الانتقال المشمول بالضغط والقهر سيولد الكثير من الظواهر السلبية والانفعالات السيئة وردود الفعل المباشرة وغير المباشرة. فكل فعل له ردة فعل. وقانون التحدي ينتج عادة تلك الاستجابة التي قد تكون عاقلة وربما تكون مجنونة، وذلك يخضع دائما لمقادير النسبة والقياس. وهذا يمكن فهمه في قوانين الطبيعة وكذلك يمكن سحب المنطق نفسه على قوانين الاجتماع.

العنف اذن وفي أعلى درجاته (هجمات إرهابية ضد اهداف مدنية) ليس مجردا من السياسة وما تنتجه من حالات توتر وانتقام ضد مراكز عشوائية لعبت المصادفة دورها في اختيارها. والعنف ايضا لا يمكن عزله عن السياستين الاقليمية والدولية وبالتالي لابد من قراءة تفصيلاته في اطار خلفية تاريخية - دولية.

ماذا تقول خلفية المشهد التاريخية - الدولية من كلام سياسي؟

تاريخيا يمكن القول ان المنطقة العربية - الاسلامية وضعت تحت المراقبة السياسية وهي تدفع دفعا نحو اتخاذ خطوات في شهور، بينما الوقائع تشير إلى انها تحتاج الى سنوات لانجازها. فالدفع القسري والمتسارع في خطواته يؤدي في حال استمر الضغط إلى ردود فعل سلبية تنتهي إلى نتائج معاكسة للاهداف. فالانتقال (التحول) يحتاج دائما إلى زمن وفترات من الوقت يتم خلالها التوافق الوطني على تعديل الادوار والوظائف. فاوروبا مثلا (كذلك الولايات المتحدة) لم تبدأ ديمقراطية منذ الخطوة الأولى. والديمقراطية ايضا في طبعاتها ونسخها المختلفة الأوروبية أو الأميركية ليست واحدة حتى لو تشابهت في خصائصها.

كذلك لم تأت الديمقراطية دفعة واحدة بل تطورت تدريجيا خطوة خطوة فكانت تتعدل في سياقها الزمني ومنظومة علاقاتها الداخلية ودساتيرها.

موضوع الديمقراطية كما تطرحه (أو تقترحه) الإدارة الحالية لواشنطن أقرب الى الابتزاز والتخويف وليس وجهة نظر يمكن تفهم حيثياته والاخذ بها حين الحاجة أو حين تأتي الفرصة والمصلحة. والاسلوب الذي تقترحه الإدارة الأميركية هو اقرب إلى الانقلاب منه إلى الديمقراطية وكذلك هناك آراء متطرفة يقول بها «المحافظون الجدد» تدفع بالمسألة إلى نقيض الديمقراطية.

هذا تاريخيا. أما الجانب الدولي فهو الاخطر، فأميركا اعلنت بعد 11 سبتمبر عن استراتيجية هجومية تعتمد على قاعدتين: الضربة الاستباقية والحروب الدائمة. وهذا يعطي إدارة البيت الابيض الحق اللاقانوني (القوة) في التدخل باسم مكافحة الارهاب انطلاقا من معلومات مشوشة تنقلها أجهزة استخبارات عن جهات غير معروفة الهوية ولا الاهداف. الى ذلك اخذت واشنطن تعلن في المدة الأخيرة (جهارا نهارا) انها غيرت سياستها الثابتة التي اعتمدتها خلال 60 عاما وانتقدت كل الادارات الأميركية التي تناوبت على البيت الأبيض منذ أيام روزفلت إلى يومنا.

هذا الكلام خطير سياسيا لانه يمثل نقطة انطلاق انقلابية على السياقين التاريخي والدولي الأمر الذي يدفع علاقات المنطقة نحو المزيد من التوتر والقلق، وبالتالي يرفع الغطاء عن الانظمة ويفتح الباب أمام مستقبل غير واضح المعالم وتسيطر عليه لحظات اضطراب لا يعرف مداها.

في البحث عن أسباب العنف وتفسير هجمات الارهاب لابد دائما من قراءة الحوادث في سياقها السياسي (التاريخي - الدولي) وهذا لاشك يساعد على تحديد المصادر الحقيقية وأصحاب المصلحة في تفجير استقرار المنطقة

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 430 - الأحد 09 نوفمبر 2003م الموافق 14 رمضان 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً