مجتمعنا البحريني شاب يافع بكل ما للكلمة من معنى، فنصفه دون العشرين، وهذا يعني الكثير وخصوصا اذا علمنا ان الفئات العمرية الاخرى ليست بأكبر من ذلك بكثير. ومجتمع شاب يعني انه سيكبر عما قريب والخدمات المتوافرة لن تكون كافية مع ازدياد الضغط عليها. وهذه مشكلة في أكثر البلدان العربية ولكننا في البحرين نشعر بها بشكل اكثر من الدول الخليجية الاخرى نظرا إلى قلة الموارد النفطية وصغر المساحة الجغرافية.
هذه الطاقة الشبابية ليست لديها وقت للكلام لأن حاجاتها تزداد مع ازدياد تطلعات الناس الى حياة افضل، واذا كان الباحثون عن عمل هم عشرون ام ثلاثون الفا فانهم سيزدادون أكثر، واذا كانت الحاجة للسكن يبدو صعب على هذا الجيل تحقيقها فانها مستحيلة على هذا الشباب الصاعد، واذا كانت الجامعات والمعاهد تمتلئ بالشباب الذين ينظرون الى المستقبل بحيرة فإن هذه الحيرة ستزداد ايضا مع الايام.
الدراسة التي أعدها مركز البحرين للدراسات والبحوث ونشرت «الوسط» الجزء الاول منها امس وتنشر البقية اليوم اشارت بوضوح الى ان الاحباط الذي يولد الشعور بالنقص كان سببا رئيسيا في حدوث اعمال الشغب في رأس السنة الميلادية. والشباب حاليا مستهلكون في الخطابات السياسية التي تبتعد عن حاجاتهم وتتحدث عن أمور كثيرة ولكنها تتجاهلهم ولا تتذكرهم الا اذا حدثت مصادمات هنا او هناك لأي سبب كان.
غير اننا لسنا الوحيدين الذين واجهوا ضغوطا من هذا النوع ونجحوا في ايجاد البديل. فهناك الدولة التي نشير اليها دائما وهي سنغافورة، فقد استطاعت أن تربي اجيالها على قيم العمل وتدربهم على ما تحتاج إليه الخطة التنموية لبلادهم.
ولاشك ان مثل هذا الامر يحتاج الى سياسة أفضل مما لدينا الآن، فالمؤسسة العامة للشباب والرياضة تختص بالرياضة وبالأندية لكن لم يتم ربط برامجها بخطة اقتصادية وطنية لأنه لا توجد خطة لحد الآن.
الجمعيات السياسية تحتاج للشباب في التحشيد ورفع الشعارات المدوية وفي أمور أخرى أبعد ما تكون عن تلبية متطلبات الشباب المستقبلية. والأسوأ أن خطاب الجمعيات السياسية يرمي باللائمة فقط على الجهات الرسمية وغسل ايدى المتصدين للعمل الوطني من اية مسئولية حتى لو كانت توجيهية للاستفادة مما يتوافر مهما كان ما يتوافر ضئيلا بحسب هذا القياس او ذاك.
الشباب ضائعون بين ما يرونه من نماذج سيئة في الحياة او على شاشات التلفزيون من ثراء فاحش للبعض الذين لم يتعبوا يوما وحصلوا على ما حصلوا عليه بينما يتعب الآخرون ويشقون من دون ان يحققوا ولو شيئا يسيرا مما يرونه لدى الغير. ثم هناك مطالبة الشباب بمنافسة العامل الاجنبي الذي يقبل بالقليل، ولكن مع انعدام الصورة الناصعة عن قيم العلم والعمل واستحصال الرزق من خلال الابداع والجد والاجتهاد يصبح الشباب فريسة سهلة للظروف الصعبة التي ترميهم بمزيد من الشقاء. اننا بحاجة الى معالجة حقيقية تعتمد على استراتيجية اقتصادية وطنية طال انتظارها
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 430 - الأحد 09 نوفمبر 2003م الموافق 14 رمضان 1424هـ